رئيس التحرير
عصام كامل

حتى أنت يا دستورية

فى ساعة متأخرة من الليل، أرسل إليّ الزميل الأستاذ محمد حسنى المحرر البرلمانى بيان لجنة الشئون الدستورية والتشريعية الخاص بمشروع قانون الإجراءات الجنائية، وقبل أن أنتهى من قراءة البيان أدركت أن هناك شيئا خطأ إذ يبدو أن الأستاذ محمد حسنى أرسل إليَ بيانا على نحو خاطئ.

 

تواصلت مع حسنى إيمانا منى بأنه لا يمكن للجنة الشئون الدستورية والتشريعية أن تصيغ بيانا ينطوى على عدد من الجرائم الأخلاقية التى يعاقب عليها الضمير المجتمعى، بعد أن تضمن عددا من العبارات والكلمات التى توحى بأننا أمام حالة من حالات المراهقة البرلمانية، التى لا يجوز لقامات فى تلك اللجنة أن تقع فيها.

 

المصيبة أننى تيقنت أن محمد حسنى فى كامل وعيه، وأن البيان صادر بالفعل عن اللجنة المذكورة وأن الألفاظ الواردة فى البيان حقيقية، وأن السادة أعضاء اللجنة المذكورة لم يعترض فيهم واحد على استخدام مثل هذه العبارات ضد نقيب الصحفيين وضد النقابة.

 

المثير أن اللجنة المذكورة قالت بالحرف الواحد إنها لن تقف مكتوفة الأيدى ضد من يشوهون الحقائق ويضللون الرأى العام، وكان مقصدهم ما قاله الزميل خالد البلشى حول مشروع القانون وما قد يشوبه من عوار دستورى إن صدر على حالته التى طرحت على الرأى العام.

 

استشعرت أن كاتب البيان واحد خارج لتوه من رواية قديمة تحكى عن عوالم الفتوات، وانتابتنى حالة من الشجن التاريخى إذ إننى أنتمى ولى الشرف إلى نقابة نحت روادها بمداد من النضال الوطنى تاريخا مشرفا فى الدفاع عن الكلمة، ونال بعض أعضائها شرف الشهادة من أجل الكلمة وتنوير الرأى العام.

 

ورغم أن رئيس اللجنة المذكورة واحد من قضاة مصر الأجلاء، وهو بالمناسبة رجل دمث الخلق ويحمل فى تاريخه صورا مضيئة فى الدفاع عن فكرة الرأى والرأى الآخر، علاوة على أن سيادته ينتمى إلى مؤسسة تربى أولادها على الإنصات بل وإتاحة الفرصة كاملة إلى كل الآراء التى ترد إليهم على منصة القضاء المقدسة.. 

رغم كل ذلك فإن بيان لجنته جاء على نحو من العار التاريخى الذى لا يمحوه إلا الاعتذار فإنه ينطبق عليكم إنكم سكتم دهرا ونطقتم كفرا.. كفرا بحق الصحفيين فى الدفاع عن الكلمة، وكفرا برسالتنا التى تربينا عليها وورثنا قيمها من رجال حفروا أسماءهم بحروف من نور فى الجهاد من أجل الحقيقة والحق.

 

قد يجهل أعضاء اللجنة المذكورة أن الدور الذى فرض على نقابة الصحفيين بحكم رسالتها ينحصر فى الدفاع عن الناس، كل الناس، والجهاد من أجل المعلومة وكشف الزيف وإزالة الغموض عن الوقائع التى تدور أحداثها داخليا وخارجيا، وأن تاريخنا العريق يتضمن بالتفاصيل صفحات من الدفاع عن بسطاء الوطن وعن قضاتهم وعن محاميهم وعن كل فئة قد تتعرض لظلم أو جور من السلطات الحاكمة أو من غيرها.

 

وقد لا يعرف أعضاء اللجنة المذكورة أنهم جزء لا يتجزأ من مجلس نواب مصر المنتخب وأن دورهم لا يخرج عن فكرة الدفاع عن الحريات أفرادا وجماعات، وأن استخدامهم لهذه اللغة العنترية غير المهذبة فى واحدة من قضايا الحريات إنما يفقدهم شرعية وجودهم أصلا.

 

وظن بعضهم، وقد وقع ظنهم فى منطقة الإثم، انهم ينتمون إلى مؤسسة فوق النقد وأنهم وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة ومنحوا أنفسهم حق تهديد واحدة من أعرق مؤسسات الدولة المصرية واهمين أن الأمر سيمر مرور الكرام، دون أن يدرك أى منهم أن طريق الكرام يسير يمينا، وأن “سكة” اللئام تسير شمالا، وأن الصحفيين من واقع رسالتهم لا يمكن لهم أن يقبلوا مثل هذه الترهات.

 

وآفة القوم أن بعضهم “مستجد فى الشغلانة” وأنهم لا يعرفون تاريخ لجنتهم التى ضمت فى عضويتها تاريخيا أسماء يشار لها بالبنان وقد كانوا ملاذا وطريق نور وأصحاب مواقف ومقاتلين من أجل حرية القول والدفاع عن الرأى الآخر ولم يكن من بينهم أبدا من يظن أن التهديد لغة حوار.

 

 

رحم الله من ماتوا وبارك فى أعمار من بقوا معنا ممن كانوا سندا لكل صاحب رأى وكانوا فى مقدمة الصفوف مقاتلين شرفاء، وعوضنا الله خيرا فى قيم بات المدافع عنها كالقابض على جمر النار، واشف يا رب كل مريض فى عقله وقلبه، واهد كل شارد فإنا نعلم أنك لا تهدى القوم الظالمين.

الجريدة الرسمية