دستور المواطن المرفوض
التعديلات الخطيرة لقانون الإجراءات الجنائية، (دستور المواطن) الذي أقرته اللجنة الفرعية لمجلس النواب، رفضه نادي القضاة ونقابة المحامين ونقابة الصحفيين، وأجمعوا على أنه يضر بالعدالة وضمانات حقوق المواطن، بل أن مسئولي الحوار الوطني تبرؤوا فيه من القانون وانتقدوا ما حدث بلغة دبلوماسية راقية..
أما نادي القضاة فقد أصدر بيانا مهما أكد فيه أن بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية المقترحة يشوبها عدم الدستورية، وتنال بشكل سلبي من حسن سير العدالة وانتظامها، الأمر الذي ينتقص من حقوق وضمانات المواطن التي يجب توافرها له قبل مؤاخذته جنائيا، ويعطل عمل السلطة القضائية بشكل غير مسبوق لم يحدث من قبل في مصر أو في أي دولة من الدول العريقة في التشريعات، والتي تأتي مصر في مقدمتها..
كما أكدت نقابة الصحفيين أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية يحتوي مواد تشكل تهديد مباشر لحقوق الصحفيين، وأبرز التخوفات كانت متعلقة بأن القانون الجديد يمنع الصحفيين من نشر أي تفاصيل عن القضايا قبل صدور حكم نهائي، وهذا يحد من دور الصحافة في كشف الفساد..
والمحامون يرون إن قانون الإجراءات الجنائية يمنعهم من تقديم دفاع قوي لموكليهم، وهو ما يقلل من فرص المحامين في تقديم الأدلة أو الشهود بالطريقة اللي تناسبهم.
ورغم ذلك وجدنا مشهدًا عجيبًا في بيان لجنة صياغة قانون الإجراءات الجنائية يناقض كل ما يحمله مُسمّى اللجنة وماهية دورها العظيم، ويشي بالنيل من إعتبار وجهات نظر بعض المؤسسات بل وجدنا عدة تهم موجّهٍ من بعض أكابر النواب من ممثلي الشعب المصري، لمُنتقدي هذا المشروع بأسوأ الصفات، ونزع ثوب الوطنية والمسئولية الأخلاقية عنهم..
والتهديد بجملٍ وكلمات مريبة مثل "لن نقف مكتوفي الأيدي"، والأمر المؤكد أن هناك حاجة ماسة وعاجلة للتراجع عن هذا النهج، وتجنب لغة التعالى والتسلط والتخويف التى تصاحبه حتى نحافظ على هذه الدولة التى نحتاجها اليوم، وسيحتاجها أولادنا بقدر أكبر في المستقبل.
وربما يعيدنا ذلك إلي ماحدث عقب إصدار القانون رقم 93 لسنة 1995، ذلك القانون الذى فتح الباب لعقوبات سالبة للحرية، وشديدة على الحريات الصحفية، بخلاف موضوع الحبس الاحتياطى وانتفض الصحفيون ضد هذا القانون..
حتى تم تعديله بمقتضى القانون رقم 95 لسنة 1996 بفضل أساتذة وشيوخ وشباب ونساء المهنة وقادوا نضالا وحوارا مع الدولة وعدد من رموزها العقلاء، وكان فى مقدمتهم الراحل الدكتور أسامة الباز حتى توصلوا إلى صيغة الحل فى جملة من 4 كلمات وهى أن "الرئيس حكم بين السلطات" ولا يرضى بأن تطغى سلطة على سلطات سلطة اخرى.
وهو ما نحتاجه الآن والعودة لتلك الآلية ولمائدة الحوار والإلتزام بما يتم الاتفاق عليه من توصيات حرصا على المصلحة العليا للبلاد والعباد، وظني أن في النظام عقلاء كثر منهم المستشار حنفي الجبالي رئيس البرلمان وله خبرة دستورية طويلة..
وهناك رهان عليه في فرملة الإفراط والصياغات الغامضة التي عطلت تنفيذ قوانين كثيرة قدمتها الحكومة وتم تمريرها، وعندما فشلت عادت للبرلمان أكثر من مرة لإعادة صياغتها بما يتفق مع الدستور وحاجات الناس، ذلك لان البرلمان بالأساس يمثل الشارع قبل الحكومة بعيدا عن المزايدة على الوطنية التى تصل إلى حد التخوين والعمالة، فهى أساليب تمت تجربتها كثيرا وثبت فشلها.