رئيس التحرير
عصام كامل

الأستاذ

وهو وصف لا يليق إلا بالمدرس صانع العملية التعليمية التي تصنع نهضة أي أمة، وهي أبسط روشتة مجربة للتقدم، وهي أول أمر من السماء بقول الله تعالي إقراء، ويحكي أن إمبراطور اليابان سُئل ذات يوم عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، فأجاب: بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير.

 

ويذكر أن القضاة في ألمانيا حينما طالبوا بأن تتم مساواتهم في الرواتب بالمعلمين، ردت عليهم المستشارة أنجيلا ميركل مستنكرة بقولها الشهير: كيف أساويكم بمن علموكم؟ والراتب في لوكسمبورغ ليس أفضل منه في أي مكان في العالم فحسب، بل إن راتب المعلم في أول سنة له يفوق راتب المعلم طوال حياته العملية في أي مكان آخر في العالم.

 

ورغم ذلك تعاني مصر عجزًا في أعداد المعلمين، يصل الي نحو 480 ألف معلم، بسبب  قرار رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري الصادر في 1998 بوقف التكليف (نظام تعيين ألزمت الحكومة المصرية نفسها به لعقود طويلة وبموجبه يتم توظيف جميع خريجي كليات التربية في وظيفة معلم عقب التخرج) بدعوى أن موازنة الدولة لا تتحمل عبء تكليف خريجي كليات التربية.. 

 

مما أدى إلى تفاقم أزمة نقص الكوادر التربوية واتجاه بعض المدرسين للدروس الخصوصية، والعمل بعد الظهر في وظائف هامشية، لذلك لم تبق تلك الصورة المشرقة التي كانت له في السابق، خصوصا وأننا أصبحنا نعاين في أوساط كثيرا من مظاهر التحقير والتنكيل بمن يقوم بالتدريس.. 

 

بل وصار حتى لفظ المدرس مفرغا من أي معنى اعتباري مهم؛ إذ لا يفرض الآن أي نوع من الاحترام والتقدير لا في المحيط المدرسي ولا خارجه، وقزمت أدوار المدرس وهمش لدرجة أنه لم يعد في منظور الوزارة واسطة عقد المنظومة التربوية، والدور المركزي الذي كان له في الحياة المدرسية بل ويساء إليه بالتطاول عليه والإشارة إليه دوما بأصابع الاتهام كلما لاحت بوادر فشل النظام التعليمي.

 
وفي عصور نهضة الأمة ورفعتها كان للمعلم وللعلماء الحظ الأوفر من الرعاية والتكريم.. حضر زيد بن ثابت رضي الله عنه جنازة فلما أراد ان ينصرف أخذ عبد الله بن عباس بركاب زيد (وهو الحديدة التي يضع فيها قدمه ليركب الدابة) فقال له زيد: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنا هكذا نصنع بعلمائنا. 

وكان الإمام ابو حنيفة لا يمد رجليه ناحية بيت معلمه حماد رحمه الله احتراما له، وبين بيت أبي حنيفة وبيت معلمه المسافة الطويلة.

وكان الإمام الشافعي رحمه الله إذا جلس في مجلس الإمام مالك رحمه الله يقلب الأوراق برفق شديد حتى لا ينزعج معلمه الإمام مالك. 

 

ومن التدني أن يُنظر إلى المدرس نظرة منحطة تنزع منه جانبه الإنساني الإيجابي، فلا يرى فيه سوى نقائصه وهفواته، لكن الأسوأ من ذلك أن يحاسب على شيء ليس فيه أصلا، وإنما ألتصق فيه بتهمة باطلة جراء إشاعة البهتان وإطلاق الأكاذيب عليه، للنيل منه بتشويه صورته والحط من قيمته الرمزية.. 

 

لقد أصبح المدرس مادة دسمة يسهل التشهير به وتحريض وتجييش المجتمع عليه وإثارة الرأي العام ضده، وكأنه هو من تسبب في أزمات الأوطان رغم أن حقوقه تعرضت للاغتصاب بغيا وديست كرامته عنوة، فغدَا بذلك  مهانا في نظر غيره، وهذا هو عامل أساسي في تشكيل وقولبة التوجهات.. 

 

 

حيث أن سلبية التصورات لذات المدرس داخل مجتمعه تبخس من مكانته، وتنزله إلى الدرك الأسفل من البنية القيمية في مجتمعه، وتفقده قيمته الحقيقية بين الناس، ومن المعلوم أن الجانب القيمي له دور أساسي في تقوية أو إضعاف رمزية أي شخص داخل المجتمع فما بالك بالمدرس.

الجريدة الرسمية