رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية أقوى محافظ في مصر

توجه الراحل الدكتور عبد الرحيم شحاتة على رأس قوة لإزالة مخالفة قيل له إن فاعلها واحد من علية القوم، وقيل للمحافظ وقتها إن مرتكب المخالفة يعمل في أعلى مؤسسة بالدولة، وأنه رجل نافذ وكلمته قرار وغضبه ذو تداعيات خطيرة، ورغم كل ذلك توجه الرجل إلى حيث يرى أنه لابد فاعل.


وصلت القوات ومعها المحافظ وقبيل الشروع في إزالة المخالفة، فوجئ المحافظ باتصال هاتفى من الرئيس شخصيا يسأله: أنت فين يا عبد الرحيم؟ يرد الرجل بهدوء: أنا في حي كذا ومعي قوات لإزالة مخالفة ارتكبها مواطن تشي بأننا لسنا في دولة قانون.

 


بعد استفسار الرئيس عن طبيعة المخالفة قال بحسم: افعل ما ترى أنه إعمال للقانون.. على الفور أمر المحافظ القوات المصاحبة له بتنفيذ القانون، ووسط هذه الحالة فوجئ المحافظ بصاحب العقار وهو يوجه له سيلا من التعنيف ويعده بجزاء لم يكن يتصوره.
 

في اليوم التالى كان الرجل الذي تصور أنه نافذ وصاحب قرار، وأنه فوق القانون متوجها إلى جهة عمله ليفاجأ بقرار نقله إلى مكان آخر، ومنه انتهت حياة الرجل القوي الوظيفية ولم يعد له وجود.. تلك الواقعة تشير إلى أن المسئول عندما يكون صاحب قرار ولا يديره أحد يصبح مصدر قوة للدولة.


أتذكر كثيرا من الوقائع التي كان فيها المسئولون أصحاب قرار ولديهم مساحة من الحركة وفق ما تمليه عليهم مهام أعمالهم، وما يتطابق مع القانون، دون أن تكون عليهم وصاية أو تراقب أعمالهم جهات تتحول من دور الرقابة إلى دور إدارة المسئول وتوجيهه فيصبح مجرد دمية.


المثير أن المسئول الدمية يتحمل أمام القانون تداعيات كل قراراته حتي لو ترك منصبه، ويصبح في دائرة الاتهام عندما يصحو القانون من غفلته أو عندما تنهار دولة الوساطة والمحسوبية، ساعتها ليست لدى المسئول الذي وقع على قرار دون رغبة منه وبأوامر من جهة ما أنه ليس لديه مبرر لتلافي العواقب.
 

القانون لا يحمي الجهلاء به فالعذر بالجهل قضية فقهية وليس قضية قانونية، وكما يقول العوام القانون لا يحمي المغفلين، والمغفل هنا من تغافل عن حقه وسلطاته وسلمها لغيره متصورا أن غيره هذا يعتبر مصدر حماية إذ لا حماية لم خرق القانون أو أفسد في الأرض بغير حق، أو اعتمادا على جهة ما أو شخص ما مهما كانت مصادر قوة هذا الشخص.
 

عندما قامت ثورة يناير سقطت أساطير الكبار ولم ينفع معها أن فلان صاحب فلان، أو أن فلان قريب فلان أو أن فلانا شريك فلان، كل الكبار سقطوا ولم يخرجوا إلا بطريقة واحدة، إما إعادة المسروقات أو أنهم خرجوا منها باعتبارات قانونية، كان القائمون على الأمر قد أعدوا لها عدتها.

 


إن الحماية الحقيقية هي الالتزام بما ينص عليه القانون، أما الاعتماد على أن هناك حاميا غير القانون فإن مغبته أصعب من أن يتصورها من يقع في هذا المطب.

الجريدة الرسمية