حكومة الصيف!
أتابع باندهاش مثل غيري إطلالات وزراء حكومة مدبولي من العلمين، وأعترف أنني لم أر، ولم أتوقع أن أرى مثيلا لها في بلادنا في مثل تلك الظروف التي نعيشها، وتلقى بظلالها على بسطاء مصر الذين باتوا أسرى تدبير الحياة اليومية بشكل لم تر البلاد مثيلا له من قبل.
وأتدبر بيني وبين نفسي تلك الكلفة التي يدفعها المواطن المصري من دم قلبه، لكي تكون لنا حكومة للصيف وأخرى للشتاء، عندما يطلب الوزير منهم طاقم مكتبه وسائقيه وعدد من مساعديه ليقيموا ويعيشوا في العلمين، ولك أن تحسبها من بدلات سفر وإقامة ولزوم الحياة هناك على ضفاف البحر الأزرق.
واستعرض حكومات العالم الغنى المترف في بلاد أوروبا وفي أمريكا والصين وكافة الدول التي استطاعت أن تحقق قفزات هائلة في مدخولات شعوبها، فلا أجد حكومة واحدة لها مقران أحدهما للصيف والآخر للشتاء، فلم أر مثلا بيتا أبيض وآخر أسود في أمريكا، ولم أر أن ألمانيا أو الصين لها مثل ما لنا في بلد يقتات من الديون ويعيش على حافة الخطر والانهيار.
ولا أتصور أن ما نراه محكوم بمنطق، حتى لو كان المقصود كما يدعي البعض هو استدعاء العالم إلى بقعة جديدة في تاريخ مصر العمرانى، وأضحك مثلما لم أضحك من قبل عندما أنصت إلى وزير السياحة الذي يتحدث عن الدعاية لوجهة سياحية جديدة، وهو ومن قبله من زملائه فشلوا في تسويق أقدم حضارة في العالم.
ولا أتصور أن أطالع استضافة وزير الإعلام الفلسطيني وهو يتحدث عن دعم مصر من هناك على شاطئ رملى ناعس وناعم وأبناء شعبه يقتلون ليل نهار، في مشهد يصعب على أمثالى هضمه أو فهمه أو حتى اعتباره مشهدا عابرا لا يجب الوقوف أمامه.
كيف يتأتى لبلد يسير على حافة الخطر وتحاصره الديون ويبيع يوميا من تاريخه ومن مقدراته لكل من هب ودب ، لكي يبقى حيا أو يعيش على حد الكفاف، وهو يصدر للعالم أن لديه حكومة تقيم صيفا على ضفاف العلمين، وشتاء لها مقر ومستقر غير ذلك؟!
ولعلي لا أكون مبالغا إذا قلت إن الناس ترى أن مصر أصبحت مصرين، واحدة هناك وواحدة هنا، وما أدراك ما هنا.. هنا حيث يكافح المواطن المصري من أجل العيش على هامش الحياة، وهناك وما أدراك ما هناك حيث وجوه غير الوجوه، وأناس غير الذين نعرفهم وحياة غير كل ما نعرف.
ولا أظن أني طبقي أو منغلق، فأنا مثل غيري أعيش ظروف بلادى التي ضاقت بنا حتى استحكمت حلقاتها، ولايزال الفرج بعيدا، حيث لا نرى له ملامح ، ولا نستطلع له هلالا، ولا نأمل في وجوده قريبا، حيث لايزال حصار الأسعار ونار الحاجة تحيط بنا ، كما لو كان سيلا جارفا لكل لحظات الهدوء والاستقرار.
وأقولها من أجلى ومن أجل أولادي إن الفقراء إن لم يعيشوا فلن يعيش غيرهم، وإن استقرار الطبقة المتوسطة إن كانت لاتزال موجودة هو استقرار للكل، ولابد من وقفة تأمل نعرف فيها أين نحن وإلى أين ذاهبون بوطن كان يضرب به المثل في الاستقرار وصلابة ملح الأرض.