رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة القبض على البقرة.. قصة واقعية

يبدو أن مفاجآت دفعة المحافظين المستجدة على العمل العام ما زالت تنزف وقائع مخزية لا يمكن الوقوف أمامها بصمت اخترقته مواقع التواصل الاجتماعى، حيث لم يعلن محافظ الدقهلية توبته من واقعة سيدة الأرغفة البسيطة حتى باغتنا بما هو أقسى وأمر.

 

اللواء طارق مرزوق، القادم من مصلحة السجون إلى شوارع واحدة من أكبر محافظات مصر، ليصبح فى واحدة من مقادير العصر الجديد محافظا للمحافظة التى قدمت لمصر أسماء فى الأدب والفن والثقافة والسياسة قل الزمان أن يجود بأمثالهم.

 

لواء السجون كان كما تلقى أوامر من عِلية القوم يمر على العباد والبلاد حتى وصل إلى مدينة جمصة التى يفد إليها الناس من كل حدب وصوب، سياحة وترفيها من أجل شواطئها ذات الخصوصية الشعبية، فوجد ضالته المنشودة لينزل من ركبه ويوجه أوامره إلى صغار موظفيه، فماذا وجد المحافظ النشيط؟

 

لمن لا يعرف فإن قوام المجتمع فى جمصة يضم طوائف متعددة من شعبنا الطيب، وعلى رأسهم لا يزال هناك من البدو من يعيشون على سجيتهم وبطريقتهم الخاصة، ولمن لا يعرف مثل المحافظ الجديد والغريب على ناس الدقهلية فإن وفودا من الأبقار تجوب الشوارع لترعى وتأكل مما تنبت الأرض.

 

وجد المحافظ بقرة تسير فى الشوارع فأمر بالقبض عليها فورا، وكان له ما أراد، ووجه سيادته بإيداعها مجلس مدينة جمصة، وجد رئيس المدينة نفسه فى مأزق؛ إذ لا مأوى للبقرة ولا طعام ولا شراب، فأمر بنقلها جهة إيواء حتى ينظر فى أمرها ويرى فيها ما يرى.

 

تواصل مسئولون مع المحافظ شارحين لسيادته أن كافة جهات المحافظة ليس لديها مأوى لأبقار، وأن مديرية الشئون البيطرية والزراعية جهة علاج وتحصين وليست جهة إيواء، فما كان من السيد اللواء إلا أن وجه سيلا من النقد لهم، مؤكدا لهم أننا نعيش فى دولة قانون، ولا يجب على الأبقار أن تسير هكذا بين الناس.

 

حاول بعض الأهالى من المحافظة أن يوضحوا للمحافظ أن البدو من أهل المحافظة يعتاشون بأبقارهم على الحشائش وبقايا الزراعات، وأن هذا الأمر معروف بين العامة والخاصة، فلم يكن من المحافظ إلا أن أصر على حبس البقرة، وهنا اعترض الجميع لأنه ليست هناك جهة إيواء للحيوانات أو غذاء، وأن حبس البقرة قد يودى بحياتها!

 

قبل أن يهل المساء على أهل الدقهلية كان عدد الأبقار الحبيسة أربعة أبقار، وقد أصدر المحافظ فرض غرامة قدرها عشرة آلاف جنيه على كل بقرة، ومع إصرار المحافظ وحدة النقاش بينه وبين المسئولين رفض المسئولون الانصياع إلى الأمر، مؤكدين للمحافظ أنهم لا يملكون مأوى للأبقار ولا غذاء، ولابد من نقل الأبقار إلى جهة أخرى.

 

أصدر المحافظ قرارا بنقل الأبقار إلى مدينة بلقاس، وبالفعل نقلوا الأبقار بسيارة نقل، ووجد رئيس مدينة بلقاس نفسه فى مأزق، واتصل بالمحافظ، مؤكدا لسيادته أن مجلس المدينة ليس لديه زريبة، وليس لديه مخصصات مالية لإطعام الأبقار، وأن حياة البقر فى خطر.

 

ومع تواصل النقاشات وعقد العديد من الاجتماعات أقنعوا السيد اللواء المحافظ أن يفك أسر الأبقار بعد تعهد أصحابها بعدم تكرار ترك الحرية لها لكى تقتات من خشاش الأرض، مع إصدار قرار من سيادة اللواء المحافظ بفرض غرامة على كل بقرة تتجرأ وتسير فى شوارع جمصة قدرها عشرون ألف جنيه، وإن لم يتسلمها صاحبها خلال أسبوع تذبح وتوزع لحومها على الفقراء منة وهبة من المحافظة لله!.. عن أى إله يتحدث اللواء المحافظ؟!

 

وأخيرا، أفرجت سلطات الدقهلية عن الأبقار الأربعة بعد أن أقر أصحابها فى تعهدات مكتوبة بالتزامهم وأبقارهم بتعليمات السيد اللواء المحافظ، وعادت الأبقار وسط تهليل وتكبير من أصحابها وأسرهم الذين تكبدوا ويلات الانتقال متابعة لأبقارهم مع قليل من البرسيم وبعض الأعلاف خوفا على ممتلكاتهم من الموت جوعا.

 

 

هذه القصة واقعية، وليست محض خيال من كاتبها، وتشير أحداثها إلى ضرورة إعادة تأهيل المحافظين الجدد وتدريبهم على واقع مجتمعاتهم التى تبوءوا فيها مندوبية الحكومة وسلطانها، مع الأخذ فى الاعتبار أنه أصبح واجبا تركيب أجهزة تتبع لهم حرصا من الدولة على المواطنين وأبقارهم.

الجريدة الرسمية