الحبس وحوار الطرشان
أشرف عمر رسام كاريكاتير، شاب أربعينى ترك الصيدلة واتجه إلى هوايته رساما للكاريكاتير بالصحف والمواقع الإلكترونية، والكاريكاتير هو واحد من فنون السخرية، أي أن أداة فعاليته هي السخرية والتضخيم والاختزال وتعبئة الرأي العام تجاه قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية.
وعندما تفاءل المصريون بالحوار الوطني الذي عرج على ملف الحبس الاحتياطي يبدو من اقتحامه أنه يجري وفق توجيه من جهات عليا، في هذه الأثناء وأمام حالة التفاؤل كان أشرف عمر في منزله بحدائق الأهرام فجرا عندما زارته قوات من الأجهزة الأمنية، وألقت القبض عليه وقررت النيابة حبسه احتياطيا.
إدعى البعض ان تهمة أشرف نشر أخبار كاذبة بينما أوضح آخرون أن هناك تهمة تمويل لأنه يعمل لدى موقع إلكتروني محظور في مصر.
وأشرف عمر لا يخشى عليه من الهرب، كما أن له عنوانا معروفا، ولا يمكن له أن يعبث بالأدلة في قضيته أو يؤثر على الشهود إذا كان هناك شهود، فلماذا إذن يحبس احتياطيا؟ إن هذا يعني أن المشاركين في الحوار الوطني إنما يشاركون في مسرحية، وليس هناك حوار جاد يبتغي نقل البلاد والعباد إلى مناطق أكثر أمنا.
وإذا كان أشرف عمر يتحمل الحبس خلف زنزانة من أربعة جدران، وهو أمر نرفضه من الأساس، فما هو حال المناضل الأستاذ يحيى حسين عبد الهادي الذي تم اختطافه من شارع صلاح سالم، بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية، رغم أن الرجل معروف في الأوساط السياسية والفكرية بأنه ذو اتجاه يسارى منذ وعى الدنيا وحتى تاريخه.
جيلان مختلفات يدفعان الثمن، ثمن الحرية والنقد المباح وهو أمر وطني يشكران عليه، إذ أن المتعارف عليه أن المعارضة جزء لا يتجزأ من النظام، وممارسة النقد أمر جيد لأي نظام ليس تنفيسا فقط، وإنما لطرح وجهات نظر أخرى، فالأنبياء الذين جاءوا برسالات من المولى عز وجل كان لهم معارضون بل وأعداء ولم يحبسوهم أو يقاتلوهم.
الأنبياء واجهوا من واجههم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم تقم حروب بين الأنبياء ومعارضيهم إلا عندما قرر المعارضون استخدام العنف ضد الرسالات السماوية.
الأستاذ يحيى حسين عبد الهادي رجل في العقد السابع من العمر وقد خرج من محبسه منذ فترة ليست بالقليلة، وقد حبس الرجل بنفس التهمة أربعون شهرا، وقد حباه الله امتحانات صعبة حيث يواجه أمراضا مزمنة، وقد كان جل ما طالب به بعد القبض عليه هو السماح بدخول أدويته إلى محبسه.
إن أي مخلص في هذا البلد لابد وأن يطالب بالإفراج الفوري عن أشرف عمر ويحيى حسين عبد الهادي فكلاهما مواطنان مصريان يحلمان لبلدهما بالتقدم والتطور وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، ونقل الوطن إلى مصاف الأوطان التي خطت خطوات متقدمة في ملف الحريات.
ومن حق أي إنسان أن ينتقد ما شاء له انتقاده طالما التزم بالقوانين والأعراف والتقاليد، ولا أظن أن الحبس ومطاردة الناس وتهديدها هو الحل، إن بلدا بحجم مصر يحتاج إلى كل وجهة نظر تطرح من أجل الإنقاذ والتقدم والتطور.. افرجوا عن المحبوسين في قضايا الرأي، أما قصة الحوار الوطني فلاشك أنه أمام هذه الممارسات من الأجدر أن نطلق عليها حوار الطرشان.