رئيس التحرير
عصام كامل

شواذ ماكرون في بيوتنا

كنت قد استهلكت نفسى في القراءة عن مفاجآت الحفل الافتتاحى لأولمبياد باريس، ومن فرط استغراقى جهزت الأسرة كاملة لمتابعة الحفل الأسطورى الذى كتبوا عنه كثيرا وقالوا عنه أكثر، وبدا منذ الوهلة الأولى أننا أمام حالة فنية مدهشة بكل المقاييس. وتواصلت مع أصدقاء يعيشون في باريس، ولم أفهم منهم لماذا قرر سكان باريس التبول في نهر السين عقب إعلان الرئيس الفرنسى ماكرون أنه سيسبح في النهر، وقالوا إن ذلك احتجاجا عليه وإعلانا منهم أنهم ضده وضد نظامه.



لم أفهم حقيقة لماذا يفعل الباريسيون ذلك؟ جلسنا كأسرة أمام شاشة كبيرة، ومضى الوقت بين الدهشة والإعجاب، إلى أن وصلنا إلى الصدمة التى ألقت بعبء نفسى لا متناهٍ للمشهد القنبلة الذى استبدلت فيه الحضارة الفرنسية الحديثة واحدا من أعظم الصور الذهنية لدى المسلمين والمسيحيين.. العشاء الأخير للسيد المسيح.

كانت الصدمة أعنف من قدرتى على اتخاذ قرار بإغلاق الشاشة فورا أمام أسرتى وأولادى، وجمع غير قليل من العائلة.. أغلقنا الشاشة وأنا بين الصدمة والحسرة والغيظ، أتنفس بصعوبة، كيف يتأتى لهؤلاء أن يبدلوا بالمقدس هذا الرخص والعهر والشذوذ؟! 

وما بين استفسارات من حضروا، وبين رفضهم وصدمتهم العنيفة، عشنا لحظات صعبة، كيف يفرض علينا ذلك الأوروبى -القائل بالمساواة والعدل والحرية- هذا القيء الحضارى على مقدساتنا وعلى إيماننا وعلى ما تبقى لنا من روحانيات في الحياة المادية التى فرضوها علينا منذ عقود؟! 

ما معنى أن يظهر المسيح، المخلص، المقدس، القادم إلى الأرض من أجل إنسانية بلا عنف وبلا دماء وبلا خطايا، فى هذا المشهد العبثى المرعب، وما معنى أن يفرض علينا الشواذ أجندتهم في بيوتنا وفي محافل رياضتنا، وكيف تأتى للعقل الفرنسى أن يفرض شذوذ فئة على الإنسانية كلها؟ 

وإذا كان الغرض من التكوين الفنى هو العبور إلى أمم تؤمن بالمسيح وبالرسالات السماوية وبالله ربا وإلها واحدا، والنَّيْل من معتقدات المليارات، فهل يندرج ذلك تحت راية الحرية، وهل كان من الممكن تمرير رسالة واحدة ضد الصهيونية والإبادة تحت نفس العنوان.

لقد أراد ماكرون وأتباعه أن يفرضوا ما يؤمنون به علينا، وعلى معتقداتنا، وفي هذا جبروت وإهانة لمقدساتنا وإيماننا، بل وإيمان أغلب الفرنسيين الذين عبروا عن صدمتهم مثلما وصل إلينا نفس المعنى والمغزى والسؤال: ما الذى يجعلنا نصمت على فرض شذوذ ماكرون وأمثاله علينا؟
أعود وأقول إن الأزهر الشريف والكنيسة المصرية يتحملان مسئولية الدفاع عن مقدساتنا وإيماننا ومعتقداتنا، مهما كان الثمن، حيث لا يزال القيء الحضارى الغربى يتهددنا في أعز وأغلى ما نملك، ودعمهما فرض عين على الجميع -مسلمين ومسيحيين- إذ لا بد وأن ندرك أننا حائط الصد المنيع أمام هذا التغول على أدياننا.
 

 


ومن عجب أن المؤسسات الوحيدة التى تحركت هى الكنيسة المصرية والأزهر الشريف، أما الآخرون فى بلاد الهشاشة الحضارية فإن تعبيرهم عن الرفض لم يتعد حدود الرفض الصامت، وهذا يعنى أن مسئوليات الكنيسة والأزهر تتعاظم وتحتاج إلى دعم العامة والخاصة باعتبارها قضية وجود، وقضية حياة إنسانية، ترفض شذوذ القلة الغربية.
أخيرا أدركت لماذا قرر أهل باريس التبول في نهرهم اعتراضا على ماكرون، إذ يبدو أنهم أعلم به منا، وأكثر إدراكا لأفكاره الشاذة.

الجريدة الرسمية