كلاب العلمين
انفرد موقع الوطن بنشر تفاصيل أول عرض أزياء للكلاب على هامش مهرجان العلمين.. أي والله عرض أزياء لأفخم عشرة كلاب في العلمين، ووصف الموقع المشهد بقوله: إن الكلاب ستظهر بالمايوهات والفساتين الأنيقة، وإن هناك مفاجأة وهى ظهور بعضها بفساتين زفاف.
انفراد الوطن يلقي بظلاله على فجوات اجتماعية خطيرة، ففي الوقت الذي تعانى فيه الأسرة المصرية في معظمها فيما تستطيع توفيره طعاما رخيصا لأبنائها، هناك وعلى مشهد مصري آخر من يحتفلون بعرض أزياء للكلاب، وعلى هامش مهرجان أعدت له الدولة عدتها، وجندت له كافة وسائل الإعلام!
والمشكلة ليست في انفراد الوطن ولا في طريقة حياة أثرياء مصر، فمن حق الأثرياء أن يعيشوا بطريقتهم، وليس علينا أن نفرض عليهم طريقة بعينها للحياة، خصوصا لو أنهم اكتسبوا أموالهم بالحلال، ونظن أن أصحاب كلاب العرض قد اكتسبوها بالحلال، فليس لدينا ما يثبت عكس ذلك!
من هو صاحب فكرة عرض أزياء الكلاب؟ ومن ذلك الذي يقف وراء استفزاز الناس؟ والناس هنا هم معظم الشعب الذي يقتات لقمته بصعوبة بالغة، وتحاصره المشكلات من كل جانب، ويحيا حياة على هامش الهامش، ولا نظن أن من اهتماماته جمال الكلاب وأناقتها وأزيائها.
من هم حضور الحفل؟ هل هم مواطنون مصريون يعيشون على نفس الأرض، ويعانون نفس المعاناة، ويأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب، ولديهم نفس المعاناة التي تعيشها الأغلبية الساحقة من أبناء بلد يعانى من مشكلات معقدة ومركبة وقاسية إلى حد لا يمكن تصوره؟
المثير أن قنوات تليفزيونية نقلت الحدث وأصرت على استفزاز خلق الله في بيوتهم، والأكثر إثارة أنه لا يوجد واحد فكر بشكل إنساني أو بشكل واقعي، ليمنع مثل هذا الحدث من اقتحام بيوت الغلابة، وما أكثرهم في هذا البلد، والمدهش أيضا أن ذلك يتم على هامش مهرجان كبير يقصد منه الدعاية للعلمين باعتبارها مدينة جديدة.
لن أتحدث عن ذلك الذي يجرى على حدودنا ومشاهد القتل لأبنائنا في غزة، ولن أتحدث عن غصة في نفوس الناس وهم يشعرون بالعجز إزاء ما يجرى وهم أحفاد من ضحوا بأنفسهم دفاعا عن القضية التي كان لمصر نصيب الأسد في تضحياتها، ولن أتحدث عن قيم غابت وتقاليد اندثرت، فقط أتحدث عن حادثة تتعدى في مضامينها حدود الكلاب وتصل إلى ما هو أبعد من ذلك.
إن المنطق يقول إنه لا يجب على كلاب العلمين أن تفرض نفسها على واقع شعب ربما لا يعرف موقع العلمين، إلا عندما كان يمر في سنوات مضت للوصول إلى مصايف البسطاء في مرسى مطروح، ولا يجوز لكلاب العلمين أن يصبحوا مادة تقتحم بيوت الناس عبر فضائيات وصحف من المفترض أنها تعبر عن آناتهم ومعاناتهم وعذاباتهم لا أن تستفزهم!