العالم علمين.. ومصر مصرين
عنوان قاس فيه تحميل غضب وحسرة وزعل؟ ربما، بل لا، هو في الحقيقة عنوان الحقيقة الطبقية حاليا في المجتمع المصري، فمصر اليوم مصران، مصر الغنية الراقصة الفرحانة السخية في الانفاق، ومصر الفقيرة المنكوبة المتعبة التى تكد وتشقى لتقفيل نصف الشهر حتى.
مصر الأولى في الشمالي، ومصر الثانية واقعة تحت الشريط كله! مصر الغنية شريط، ومصر المكافحة تحت الشريط حتى حدودنا مع السودان. مصر الغنية تزوج الكلاب للكلاب، وتعمل فرحا وزفافا وتأتي بالصاجات والكاميرات، وتخلع النساء فيها جلودهن، وينفق الرجال الآلاف يوميا علي أسرهم أو صاحباتهم، أما مصر الفقيرة لتكافح حر الصيف ونار الفواتير والمواتير.
مصر الشمالى فيها ناس معهم فلوس وفيرة، ولا يرهقهم أو يستفز غضبهم شراء كرتونة مياه بخمسمائة أو بألف.. هو معه فلوس جاء لينفقها ويفرفش، والنبع شغال.. يعلم الله وحده منابع هذه الملايين، فالواحد لو أنفق عمره أربع مرات ما جمع ما جمعوه في بضع سنين، صفقات؟ ربما! أعمال حرة؟ ممكن.. وظيفة؟ مستحيل.
ونعود لنقول إن الله وحده يعلم منابع التدفقات، لكن من الخطورة جدا حتى على هؤلاء المعربدين ماليا، التباهي بالسفه، والتسابق فى التفاهة، والتجرد من حياء الوجوه، ومن نسيان الرجال لغيرة الرجال، لأن ما يفعلونه في وقت يعاني فيه تسعة وتسعون في المائة من الشعب، العوز والحاجة والحرحرة، سوف ينقلب عليهم.. ندما وخسرانا.
قبيل أحداث الخامس والعشرين من يناير الأسود، كانت مصر وقتها تحت كرابيج الرأسمالية بتعبير شهير لوزير في أمانة السياسات، وكانت أجور الممثلين دخلت في مبالغ الثلاثين والأربعين مليونا، ورغم أن كيلو السكر وقتها كان بخمسة جنيهات، ويمكنك دخول أي جمعية تابعة للتموين وتشترى كيسة سكر بها عشرة كيلو بخمسين جنيها.
ورغم أن الناس عرفت العيش في برد أجهزة التكييف، وصار بيد المواطن تليفون فيه خطان، وربما تليفونان أيضا، إلا أن شيوع التباهي بالغنى، وسلوكيات الموسرين المستفزة، وحفلات الزفاف الأسطورية، استفزت حزام النار فى العشوائيات حول مصر العاصمة، وهو ما حذرت منه قبلها وكتبت يومها مقالى الشهير "شيء من الدم قبل أن يراق الدم" في جريدة الوطني اليوم، وكنت رئيس تحريرها.
اليوم أيضا ننبه على الشريحة المتباهية بأموالها، المتعرية المعربدة، أن اتقوا الناس وهم في كبد، وهم في معاناة. ما الذي جعل الساحل الشمالى حقا هذا مرتعا للغلاء السرطاني الفاحش؟ الإنفاق الفاحش. ومن أين الإنفاق الفاحش؟ يعلم الله.. وتعلمه الدولة من بعد الله!
ثلاثة أشهر احترقت فيها الأغلبية العظمي من الشعب بنار الحر ونار الكهرباء، وفي كل بيت خناقة، ناهيك عن خناقات الغلاء بين المواطن وبين تاجر فاجر في السرقة.. ناس تصرف بهبل فوق، وناس تتفرج علي كيلو العنب بستين جنيها وتنصرف عنه فى خجل وأسف، والبطاطس بسعر المانجو.. خمسة وثلاثون جنيها!
ما هذا العبث! ما هذا الجنون. شيء من الدم قبل أن يراق الدم.. حفظ الله مصر من مجانين موسريها.