رئيس التحرير
عصام كامل

الإخوان في الطريق

ليس عنوانا خياليا أو تصورا واهما، أو مجرد طرح للنقاش العام، أو فكرة تبادرت إلى الذهن فقررت الكتابة عنها، فالواقع السياسي المصري لن يفرز حكاما مستقبليين لمصر إلا جماعة الإخوان التي لا تزال تحت عنوان جماعة إرهابية حسب القوانين المصرية.


وما أتناوله اليوم ليس إلا محاولة لقراءة واقع تفرضه الأحداث اليومية بشكل أكثر وضوحا مما يتصور البعض، فالجماعة المذكورة خرجت من كل أزماتها التاريخية السابقة أقوى مما كانت عليه، ليس لديناميكية في تكوينها، بقدر تضافر جهود أعدائها لتقديمها وإعادتها مرة أخرى للحياة وفي أثواب جديدة.


خرجت جماعة الإخوان من أزماتها وحصارها أيام الحكم الملكي، لتصبح شريكا لثوار يوليو في ثورتهم، لدرجة أنها أرادت في هذا التاريخ المتقدم أن تزيح شركائها وتنفرد بالحكم، فكان ما كان من عبد الناصر ورفاقه، بدءا من المطاردات والسجون والاعتقالات حتى الإعدامات ولم تنته الجماعة.


كان عبد الناصر ورفاقه قد قضوا تماما على الحياة السياسية تحت عنوان "إقامة حياة ديمقراطية سليمة"، وهي الحياة التي لم تقم في عصر ناصر ولا السادات ولا مبارك، فكان التنظيم الواحد الذي أخذ أشكالا متعددة تشترك في مجملها تحت تفسير وحيد، وهو كيانات مشوهة تحكم ثم سرعان ما تنهار وتترك الساحة فارغة للإخوان.


أراد السادات أن يعيد الحياة الحزبية إلى الوجود، ولكنه أرادها ولادة من رحم النظام، فحوّل المنابر الثلاثة إلى أحزاب، ولم تعد الجماعة ككيان شرعي، غير أنها حظيت بتدليل النظام ومعها جمع غفير من تيارات متشددة، انتهت باغتيال الرجل الذي تصور بمفهومه المحدود أنه يمكنه الاعتماد على تصوراته الفردية في صيرورة الحياة السياسية وإدارتها تحت إمرته.


وبدءا من حزب مصر الذي مثل السلطة في حينها ثم تحوله إلى الحزب الوطني الديمقراطي ككيان تتبناه السلطة السياسية، ولا تدعم غيره، مع توجيه ضربات للمعارضة استمرت حتى بعد عودة الوفد في ثمانينيات القرن الماضي، لتستمر مهزلة الحياة الحزبية لا تخدم إلا جماعة الإخوان وبدعم غير محدود من أنظمة متتالية.
 

إستمر مبارك على نهج زملائه من عبد الناصر إلى السادات، وعقد العديد من الصفقات مع الإخوان على حساب الحياة الحزبية مع إصرار نظامه على ضرب الكيانات الشرعية وحصارها في مقراتها، ولم يترك الساحة حرة إلا أمام جماعة الإخوان فكان ما كان، وظهرت الجماعة بعد ثورة يناير في ثوب جديد.


بعد يناير أصبح للإخوان حزب سياسي متوحش قادر علي الهيمنة، لدرجة أن قادة كبار من الأحزاب التي شوهتها أنظمة ثورة يوليو، عقدوا الصفقات والاتفاقيات مع حزب الجماعة الجديد، بل وصل الأمر إلي أن قادة من هذه الأحزاب قبّلوا عتبات مكتب خيرت الشاطر للحصول على شرعية البرلمان، من خلال دعم الإخوان لهم في دوائرهم، يستوي في ذلك من كانوا يناصبون الجماعة العداء وآخرون لانزال نراهم في المشهد السياسي الآن على قمته!


في عصر شرعية الجماعة بحزبها الجديد بعد يناير، طالت اللحى وظهرت علامات الصلاة على الجباه، سيماهم على وجوههم من أثر النفاق، لينال الواحد منهم مقعدا في البرلمان، أو كرسيا في الوزارة، أو حتي ليكون على مقربة من النظام القادم ليحكم مصر خمسمائة عام قادمة!


وكان حزب الجماعة كأعور وسط عميان، حزب كبير متضخم، ليس لديه خبرات تجعله قادرا على إدارة شئون البلاد فرأينا عجبا، ولم يطق هذا الشعب تلك السذاجات وهذا الأداء المترهل، ولم تهضم الجماهير أطروحات الجماعة التي بدأت في إصدار شهادات الإيمان والكفر عبر تيارات كثيرة تبنتها فيما يمكن أن نسميها صدمة اختطاف وطن من هويته.


سقطت الجماعة مرة أخرى، ولكن هذه المرة بفعل الشارع ومن المطاردات إلى المحاكم والحبس وهجرة القيادات إلى عواصم تناصب مصر العداء، وظهر إلي الوجود جمع غفير من الأحزاب التي كان يظنها السائر ماء، فلم تكن إلا سرابا تلاشى بفعل الوجود الأنبوبي غير الطبيعي.


والآن: كيف ترون المشهد السياسي في مصر؟ الأحزاب على ألوان أربعة: أولها كيان متضخم يجمع شرائد القوم، لا تجمعهم إلا فكرة "تجمع مصالح" حول السلطة، ويمثله حزب مستقبل وطن، وثانيها لافتات لأحزاب كرتونية تلاشت تماما، وثالثها أحزاب قديمة سكنها عفن الفساد فصارت والعدم سواء، ورابعها أحزاب تحاول غير أنها قيد الإقامة الجبرية في مقراتها لا تستطيع التواصل مع الجماهير، وغير مسموح لها بالتحرك إلا في فلك ضيق ومساحة لا تبني جماهيرية ولا تقيم وزنا لها في الشارع.


يبقى النوع الخامس ورغم عدم شرعيته إلا أنه يظل الأقوى من حيث التنظيم، تيار الإخوان الذي يستمد قوته من ضعف الآخرين، ومن كبوات متتالية، ومن قدرات هائلة على العمل السري، وهو الأمر الذي يعيد الكرة مرة أخرى إلى حظوظ الجماعة المحظورة لحكم مصر، ومن هنا تصبح المنطقة العربية كلها تحت سيطرة الجماعة والأيام بيننا.

 


حقائق الواقع تؤكد من جديد أنه لا توجد قوة سياسية حقيقية يمكنها سد الفراغ الذي صنعته أنظمة يوليو من الخمسينيات إلى اليوم، سواء جرى ذلك بتدبير بليل، أو بغشم أو تصورات فردية، ترى في الكيانات الشرعية المتمثلة في الأحزاب خطرا بينما تفضل اللعب مع الجماعة.

الجريدة الرسمية