هل تفعلها الحكومة؟
أشعر بالأسى الشديد حين أتطلع إلى وجه حفيدى متعلما أن أحظى بابتسامة أو نظرة اهتمام، فأجده مهتما ومبتسما لمجهول افتراضي يخاطبه علي شاشة موبايل مساحته بضع بوصات، بينما أنا والعائلة كلها قد تمت إزاحتنا بالكامل عن منطقة الوعي، فلا يرانا ولا يسمعنا، وأظن أنكم جميعا تعانون من هذه الآفة القاتلة لأطفالنا.
نعم نحن الكبار في جميع أنحاء العالم صرنا عبيد شبكات التواصل الاجتماعي، وإسمها الحقيقي التفسخ الاجتماعي، فقد استغرقنا في مخاطبة شخوص مجرد إسم وصورة وهمية وسطور وتعليقات، بينما البشر الحقيقيون حولنا دفناهم أحياء في الهامش!
الخطورة الحقيقية لإدمان الأطفال متابعة الفيس وانستا وتيك توك أنهم لا يتحركون من مكانهم. ساعات وراء ساعات تعلقت عيونهم بشاشة الموبايل وتقويت ظهورهم وسقطت أعناقهم علي صدورهم، والموبايل معشوقة!
إنعدام حركة الطفل، حتي سن السادسة عشرة معناها أنه لايمارس الرياضة، وأن عقله في خطر، ونفسيته في خطر بل حياته آيضا في خطر، لأن بعض اللعبات تغريه بفكرة الإنتحار، وبعض اللعبات تغريه بالمثلية.. ومهما كانت رقابة الوالدين فإن لمسة من طرف إصبع الولد تقلب الصفحة في ثانية واحدة بالفعل..
من أجل هذا، أتطلع أن تعد الحكومة مشروع قانون لحظر إنشاء حسابات للأطفال حتى سن السادسة عشرة، علي منصات التواصل كافة، فيس بوك وانستا جرام وتك توك. وما سنفعله هو ما تفعله كل الحكومات التى ترى الخطر مباشرا علي أجيال كسولة، معاقة ذهنيا، ضعيفة الابصار، تلتهمها السمنة وتتمدد الكروش مبكرا.
الأسبوع الماضي، أعلنت حكومة استراليا عن نيتها إعداد قانون يحظر علي الصبية حتى السادسة عشرة من العمر الدخول علي أية منصة، وقال رئيس الحكومة أنه يفضل أن يرى الأولاد في ملاعب الكرة والسباحة والسباقات وممارسة كل أشكال الحركة.
أسبانيا سبقت، وولاية فلوريدا سبقت، وفرنسا سبقت، ونحن لسنا أقل حرصا علي أولادنا من هذه العبودية المبكرة، وخصوصا أن التحولات في شخصية وسلوك الأولاد جلية ومنذرة، وأعراض الإنسحاب والتوحد والعزلة نراها بكل وضوح ومع ذلك فلا أحد في البيوت قادر علي لجم الأولاد ومنعهم من الخضوع للجاذبية الالكترونية.
بطبيعة الحال فإن المجتمع المصرى سوف يرحب كل الترحيب بهذه الخطوة إذا أسرعت حكومة المهندس مصطفى مدبولي بإعداد مشروع قانون بهذا الشأن، ولا مانع بالقطع من مراجعة ذوي الخبرة الاجتماعية والنفسية والتربوية، فضلا عن عرض المشروع للنقاش العام.
الأهم الآ ننسى أن الاطفال لهم أساليبهم في المقاومة والاستمالة، ومن ثم يجب القيام بحملة تسويق مدروسة تحبب للاطفال فكرة الاستغناء عن منصات قتل الوقت والعقل، وجذبهم الى الحياة الحقيقية، وإلى الأحياء من حولهم.
هل تفعلها الحكومة؟ نعم ستفعلها.. لأن هذا القانون بالفعل سوف يصب في مصلحة الأسرة المصرية، وهذا بالمناسبة صب محمود ومطلوب، ويمكن للحكومة هنا أن تصب براحتها صبا صبا!