رئيس التحرير
عصام كامل

الحقائق الغائبة في حرب غزة ولبنان

على الرغم من مشاهد القتل والدمار والخراب التي يصدرها الإعلام العربي والعالمي من غزة ولبنان على مدار الساعة، والتي تعكس على عكس الحقيقة، تفوقًا عسكريًا إسرائيليًا أصاب أغلب -وليس كل العرب- بمشاعر الخيبة والإحباط، إلا أن الواقع يقول، إن هناك حقائق لم يتطرق إليها الإعلام على مدار الـ13 شهرًا الماضية، ليس تقصيرًا، ولكن لأن تل أبيب تحاول حجبها عن الجميع بشتى الطرق.

 

أولى هذه الحقائق الغائبة، أن التعتيم الذي تفرضه تل أبيب على كارثة الداخل، ليس إخفاء للحجم الكبير في الخسائر الإسرائيلية فحسب، ولكن لأنه يهدد ولأول مرة منذ زرع هذا الكيان، بتبديد الحلم الصهيوني بإنشاء دولة إسرائيل الكبرى، والذي انعكس بدوره على المشهد في الداخل الإسرائيلي بصورة أكثر قتامة، وجعل نتنياهو أكثر إصرارًا على رفع وتيرة التصعيد ضد الجميع يومًا بعد يوم.

 

ثاني هذه الحقائق، أن المقاومة الفلسطينية قد نجحت خلال عملية طوفان الأقصى، في اقتحام قاعدتين سريتين تابعتين للموساد، وحمل كل ما فيهما من وثائق ومعلومات، مما أصاب نتنياهو والقيادتين الإسرائيلية والأمريكية بالهلع نتيجة لحساسية وخطورة تلك المعلومات والوثائق، التي جعلت إسرائيل مثل الكتاب المفتوح أمام قيادات حماس.

 

أما ثالث تلك الحقائق، أن عمليات المقاومة في السابع من أكتوبر 2023، قد حولت إسرائيل ولأول مرة، من كيان جاذب لليهود إلى بلد طارد، بدليل هروب ملايين الإسرائيليين إلى الخارج، وعودة الآلاف منهم إلى أوطانهم الأم، ولجوء الملايين منهم إلى دول أخرى، وهي حقيقة تضرب الحلم الصهيوني في مقتل.

 

ورابع تلك الحقائق والأكثر ألما لنتنياهو والإسرائيليين، إن مستوطنات غلاف غزة وشمال إسرائيل، التي كانت بمثابة الحلم لأغلب يهود العالم، باتت بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي بمثابة كابوس طارد ثقيل يصعب على أي يهودي العودة إليه، مما حولها في الوقت الحالي إلى مدن أشباح.

 

الحقيقة الخامسة، أن الخسائر البشرية في صفوف جيش الاحتلال ضخمة ومرتفعة للغاية، ولم يسبق أن تكبدتها إسرائيل في حرب ماضية، بل إن الشواهد تؤكد أنها تتضاعف بشكل يومي منذ بدء المواجهات البرية على الحدود مع لبنان، وسط تعتيم يضاعف من حالة السواد والإحباط جراء المشهد المكشوف في الداخل الإسرائيلي..

 

الحقيقة السادسة، أن الحرب قد استنزفت إسرائيل بشريًا واقتصاديًا بشكل أصاب نتنياهو والإدارة الأمريكية بنوع من الارتباك، بدليل حالات التعبئة المتتالية التي فرضها وما زال يفرضها الجيش الإسرائيلي، والتي استدعت الاستعانة بالآلاف من ضباط وجنود الاحتياط لتعويض الارتفاع الضخم في أعداد القتلى في غزة والحدود مع لبنان.

 

ليس هذا فحسب، بل أجبرت حاجة الجيش الإسرائيلي لمزيد من الجنود إلى دخول نتنياهو في صدام مباشر مع اليهود المتدينين "الحريديم" بعد أن اضطر تحت ضغط الحاجة، إلى فرض التجنيد الإجباري عليهم، بموجب قانون جعلهم يدخلون في صدامات يومية معلنة مع الشرطة الإسرائيلية، وجعل عددًا من الحاخامات يهددون بالهجرة من إسرائيل.

 

كما أدت الحرب إلى حالة من الاستنزاف والتردي غير المسبوق في الاقتصاد الإسرائيلي، الذي أصيب أغلب قطاعاته بالشلل، إلى حد جعل مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية تهبط بتصنيفه إلى درجات دنيا، مع مؤشرات وصفتها بالخطيرة، رغم الدعم المالي والعسكري الأمريكي غير المحدود.

 

الحقيقة السابعة، أن الحرب الحالية أكدت أن إسرائيل ليس بوسعها الاستمرار في حرب طويلة، وأنها لا تمتلك من قدرة المواجهة سوى الحرب الخاطفة المحدودة، وعبر سلاح الجو فقط، ومع دول وميليشيات لا تمتلك قدرات دفاعية جوية رادعة، دون الدخول في مواجهات برية مباشرة، بدليل أنها لم تتمكن بكل عتادها حتى اليوم من الدخول بريًا إلى الجنوب اللبناني ولو لمترات معدودة.

 

أما الحقيقة الثامنة والأكثر وجعًا، أن الحرب في غزة وجنوب لبنان، قد أكدت بلا ما لا يدع مجالًا للشك، أن إسرائيل قد نجحت في تجنيد أعداد هائلة من العملاء داخل كل دول المنطقة، بشكل مكنها من استهداف عشرات القادة، بفعل العمالة والخيانة، تحتاج لمراجعات استخباراتية دقيقة، خاصة في مناطق مثل غزة ولبنان وإيران.

 

 

في حين تبقى الحقيقة التاسعة والأكثر أهمية، وهى أن إسرائيل دائمًا وأبدًا تخفي خسائرها، بدليل أنها لم تعترف بالخسائر التي تكبّدتها جراء إطلاق الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لـ39 صاروخ سكود على تل أبيب عام 1991، إلا بعد أكثر من عشر سنوات من القصف، ومن أجل المطالبة بتعويضات.. وكفى.

الجريدة الرسمية