السيد محمد عبد اللطيف..استعدل ولا تستعجل؟!
هل أمعن وزير التعليم الجديد محمد عبد اللطيف النظر في تجارب الدول المتفوقة في التعليم والتي تتصدر قائمة جودة التعليم عالميًا؟ وهل أعاد قراءة تصريحات من سبقوه في المنصب إبان توليهم الوزارة؟!
الوزير الجديد خرج علينا بقرارات أخشى أن تكون متعجلة.. فليس معقولا أن أقل من شهرين مدة كافية لتقرير مصير أجيال بكاملها.. وليس معقولًا أن الوزير كان يعلم بتقلده للوزارة قبل تلك المدة حتى يدرس ويقرر مثل هذه الأمور الخطيرة بتعديل مناهج الثانوية العامة على هذا النحو غير المسبوق..
وأخشى ما أخشاه أن يكرر الوزير الحالي تجربة الدكتور طارق شوقي ولكن علي طريقته هو التي أعلنها في مؤتمره الصحفي.. حتى لا نفاجأ بما لا يحمد عقباه.. فالوزير قدم من وجهة نظره حلولا لمشكلة الكثافة المدرسية.. ووعد بالقضاء على الدروس الخصوصية.. والتسريب والغش في الامتحانات.. لكنه لم يقدم طريقة تفصيلية يمكن الاطمئنان معها بأننا نسير في الطريق الصحيح؟!
ولعل أخطاء امتحانات الثانوية العامة على مدى أعوام تطرح تساؤلات: هل ما يحدث عندنا من مهازل في أسئلة ولجان الامتحانات يبشر بمستقبل أفضل؟ هل الامتحانات بشكلها ومواصفاتها وطريقتها الحالية عادلة تقيس بموضوعية ودقة وحياد قدرات طلابنا ومهاراتهم؟ أم أنها مع وجود الغش والتسريب تضرب العدالة وتكافؤ الفرص في مقتل، وتنسف أحلام التطوير والجودة؟
بدليل أن ثمة ظاهرة بدأت تطفو في السنوات الأخيرة على السطح، وهي رسوب جانب كبير من طلاب الصفوف الأولى لكليات الطب في بعض محافظات الصعيد بدرجة تؤكد أن هؤلاء الطلاب نجحوا بالغش وأخذوا أماكن غيرهم في كليات القمة التي يحلم الطلاب بدخولها!
والسؤال الأهم: هل نجد مثل ذلك النظام؛ منهجًا وطريقة تدريس وامتحانًا، في دول فائقة تعليميًا مثل فنلندا أو سنغافورة أو اليابان وغيرها من الدول العشر الأولى في التعليم؟ وإلى متى نظل رهينة لنظام ثانوية عقيم يستنزف الأسر المصرية ويرهقها ماديًا ونفسيًا في دروس خاصة وامتحانات تمثل عقدة للطلاب وتعد عذابًا ومعاناة ما بعدها معاناة؟!
وإذا قارنا الثانوية العامة اليوم بما كنا عليه زمان، نجد بونًا شاسعًا، فلم نكن نسمع عن السناتر وأباطرة الدروس الخصوصية التي توحشت بدرجات تفوق الخيال حتى بات بعض مدرسي السناتر؛ وبعضهم من خارج منظومة التعليم أصلًا، صاروا أباطرة يتقاضون أجورًا فلكية ويستحوذون على المال والشهرة ويسوقون الوهم للطلاب الذين ينتهى بهم المطاف أمام امتحانات يمعن بعضهم في التعقد والإلغاز لدرجة غير مبررة وغير مفهومة..
والنتيجة استدراك بعد ظهور النتيجة وتعديل درجات للطلاب بصورة تضرب مصداقية التعليم والثانوية العامة في مقتل؟!
ألم يتخرج في مدارسنا أحمد زويل وفاروق الباز ومصطفى كامل السيد وهاني عازر ومجدي يعقوب وغيرهم من أساطين العلماء الذين جابوا جامعات العالم وأبهروا الدنيا بنبوغهم وعلمهم؟ ألم يدرس هؤلاء مناهج صيغت بعقول مصرية، وجرى تدريسها بعقول مصرية وخاضوا امتحانات صاغتها عقول مصرية.. فماذا حدث.. ولماذا لم يصل التطوير للنتائج المرجوة؟!
صدقوني لو أجرت الجهات المعنية استطلاع رأي أضلاع المنظومة التعليمية في نظام الثانوية العامة لوجدنا العجب العجاب؟!
يا وزير التعليم.. استعدل ولا تستعجل.. فالأمر جد خطير وبناء الإنسان عقلًا وروحًا وبدنًا ليس أمرًا هينًا!