نداء القلوب
أخضع لإلهي
يا رب، إله السماوات والأرض، كيف للنفس الضعيفة أن تدرك حقيقة قوتها إن لم تخضع لك؟ أنت الذي بيدك كل شيء، أنت الذي تجري الرياح وتحدد مسارها، وأنت الذي تسيطر على كل ما في الكون. أمام عظمتك، كيف يمكن للإنسان أن يظن أنه يملك القدرة على مواجهة قوى الظلام وحده؟ كيف يمكن له أن يقاوم الشيطان ويهرب منه دون أن يذعن لك أولًا، يا خالق كل قوة ومصدر كل نور؟
في قلب كل إنسان، يا رب، صراع عظيم بين الخير والشر، بين النور والظلام. إن هذا الصراع ليس خارجيًا فقط، بل هو داخل كل واحد منا، في أعماق الروح وفي خفايا القلب. عندما ننظر إلى العالم حولنا، قد نغتر بقدرتنا، نعتقد أننا قادرون على مواجهة كل تحدٍ، كل تجربة، كل إغراء بقوتنا البشرية. ولكن الحقيقة، يا رب، هي أن قوتنا الحقيقية لا تأتي إلا منك، من خضوعنا لك وتسليمنا إرادتنا بين يديك.
يا إلهي، كيف لنا أن نقاوم إبليس، ذاك الذي يعرف كيف يتسلل إلى أفكارنا، كيف يغري قلوبنا، وكيف يبث الخوف واليأس في أرواحنا؟ إنه يعرف نقاط ضعفنا، يعرف كيف يزرع الشكوك، وكيف يضخم من مشاعر القلق وعدم الاستقرار بداخلنا. ومع ذلك، يا رب، تعلمنا في كلمتك أن الحل ليس في الهروب، وليس في محاولة المواجهة بقدراتنا المحدودة. بل الحل يكمن في خضوعنا لك، في اعترافنا أننا بدونك لا شيء، وأنك أنت وحدك القادر على منحنا القوة لنقاوم الشر ونهزم الظلام.
آه، يا رب، كم من مرة في حياتنا نعتقد أننا نعرف الطريق، وأننا قادرون على اتخاذ القرارات الصحيحة بأنفسنا، دون استشارة روحك القدوس، ودون تسليم خططنا وأفكارنا لمشيئتك. كم من مرة سلكنا طرقًا بدت لنا صائبة، لكنها قادتنا إلى فخاخ الشيطان، وأغرقتنا في دوامة من الألم والندم. ولكن، عندما نتوقف، ونتأمل في عمق هذه الحقيقة: أننا ضعفاء بمفردنا، لكننا أقوياء بك، ندرك أن خضوعنا لك هو السبيل الوحيد للنجاة، هو السبيل الوحيد لمقاومة كل شر وكل ضلال.
يا إلهي، علمني كيف أخضع لك بكل كياني، كيف أسلم نفسي بين يديك بلا تحفظ، كيف أثق أنك أنت وحدك تعلم ما هو الأفضل لي، حتى وإن كان مخالفًا لرغباتي أو مشيئتي. إن مقاومة إبليس ليست مجرد فعل يتطلب قوة جسدية أو عقلية، بل هي فعل إيماني، يتطلب قلوبًا تخضع لك بالكامل، وتسير في طريقك بلا شك أو تردد.
يا رب، إن إبليس يهرب منا، ليس لأننا أقوياء، ولكن لأنه يرى فينا قوتك، يرى فينا نورك الذي لا ينطفئ، ويرى أننا لم نعد نعتمد على أنفسنا بل عليك وحدك. يا رب، اجعلنا واعين لهذه الحقيقة، واجعلنا نسير في نورك بثقة وإيمان، واثقين أن يدك القوية هي التي تقودنا وتحمي خطانا.
يا إلهي، علمني كيف أجعل خضوعي لك أساس حياتي، وكيف أجعل من إيماني بك سلاحًا لا يُقهر في وجه كل تجربة وكل إغراء. اجعلني يا رب، ثابتًا في محبتك، قويًا في طاعتي لك، وواعيًا أن قوتي الحقيقية تكمن في تسليمي الكامل بين يديك، وفي خضوعي لمشيئتك التي هي الخير المطلق.
ساعدني، يا رب، أن أعيش كل يوم وفي قلبي يقين أنك أنت الحامي والملجأ، وأن كل مقاومة لإبليس تبدأ بخضوعي لك، وتستمر بتمسكي بك، وتنتهي بانتصارك في حياتي. اجعلني يا رب، نورًا يشع بقوتك، وحاملًا لرايتك، ومقاومًا لكل شر بإيمانك ومحبتك.