رئيس التحرير
عصام كامل

حكايات السادات والصحافة

في عصر غير العصر، وزمن غير الزمن، دارت وقائع هذه القصة الصحفية المثيرة وأبطالها جميعا أصبحوا في ذمة الله، أبطال القصة الكاتب المدهش موسى صبري والمقاتل صلاح قبضايا وبطل مصر الأول والأخير الراحل الشهيد محمد أنور السادات.


كان الرئيس يفتتح مشروعا بمدينة أسوان، وأمام كاميرات التلفزيون يشير بعصا في يده إلى ما يريد أن يتحقق على أرض أسوان، ونظرا لأن إضاءة التليفزيون كانت قوية فقد أثرت على رؤية الرئيس فأشار بعصاه على الخريطة وقال: هنا لابد وأن تزرعوا غابة شجرية كبيرة.. كانت العصا قد وقعت على دولة كينيا!


تلقفها الكاتب الساخر صلاح قبضايا وكتب في يوميات الأخبار مقالا قال فيه: إن العسكر منذ مجيئهم إلى السلطة يدلون بدلوهم في أمور قد لا يفهمونها جيدا لدرجة أن أحدهم قد يطالب إحدى الوزارات بإقامة غابات شجرية في كينيا دون أن يلتفت إلى خريطة مصر بعناية.


نشر المقال دون أن يسترعى انتباه أحد ودون أن تدرك إدارة التحرير أن قبضايا يقصد الرئيس، وكان السادات ذكيا لماحا، إضافة إلى إنه مارس العمل الصحفي طويلا وله إنتاج صحفي عظيم، فهم السادات أن قبضايا يشير إليه في مقاله فاتصل على الفور بالأستاذ موسى صبري.


قال السادات لصبرى بلهجته المعروفة: يا موسى يبدو إنك كبرت والصحفيين الصغيرين بيضحكوا عليك وأردف قائلا: هل قرأت يوميات الأخبار اليوم؟ أجابه صبري بالطبع قرأتها قبل النشر.. قال السادات إن قبضايا يقصده عندما أشار إلى فكرة الغابة الشجرية في أسوان وبرر ذلك بقوله: يا موسى الإضاءة كانت قوية وفعلا أنا شاورت على كينيا لأنى مكنتش شايف الخريطة كويس.


وطلب السادات من موسى صبري معاقبة قبضايا، وعلى الفور أرسل موسى صبرى إلى صلاح قبضايا وأخبره بما جرى وأنه يجب عقابه واقترح عليه موسى صبرى أن يلزم داره لفترة، علما بأن راتبه لن يمس وحقوقه المالية ستظل كما هي وأن الإدارة سترسل له راتبه حتى البيت!


وافق قبضايا على الاقتراح وظل لخمسة عشر يوما في منزله ولكنه لم يصبر على الأمر أكثر من ذلك فقرر الذهاب إلى الصحيفة، وعلى باب الأخبار أخبره موظف الأمن بأنه ممنوع، غير أن قبضايا لم يمتثل للأمر وحدثت مشادة وصل أمرها إلى الأستاذ موسى صبري.


أمر موسى صبري بأن يصعد قبضايا إلى مكتبه وناقشه في الأمر فقال قبضايا: أنا صحفي لا أستطيع البقاء في بيتي دون عمل، وقد جئت لممارسة عملى وهذا حقي، فاقترح عليه موسى صبري أن يمنحه علاوة استثنائية شريطة أن يبقى في منزله حتى إشعار آخر.. وافق قبضايا على العلاوة واعتبرها اعتذارا عن منعه من ممارسة عمله!!


وظل قبضايا في بيته إلى أن تواصل السادات مع موسى صبري وخلال الحديث سأل السادات عن قبضايا فأخبره الأستاذ موسى صبري بأنه لا يزال في بيته فلم يكن من السادات إلا أن قال: كفاية عليه كدة يا موسى، رجعوه لشغله بس نبه عليه إنه عيب يتناول الرئيس بالشكل ده.. وقد كان.


حكايات السلطة مع الصحافة كانت ذات طابع خاص، وتحمل في مضامينها الكثير من القواعد، صحيح لم تكن الحالة مثالية غير أنها كانت تحظى بمعايير محددة، وقد جاء عصر السادات ليفتح المجال أمام نوع جديد من الصحافة، وهي صحافة المعارضة التي عادت مرة أخرى إلى الحياة في عهده.

 


رحم الله السادات ورحم أستاذنا الجليل الأستاذ موسى صبري، ورحم المعلم ورائد صحافة المعارضة في مصر الدكتور صلاح قبضايا ورحم الله كل من تحمل أمانة الكلمة وقال ما يعتقد أنه صحيح أمام السلطان أيا كان موقفه من فكرة الحرية والتعددية.. وأخيرا يرحم الله مصر وأهلها.

الجريدة الرسمية