من الآيات القرآنية الجامعة (7)
عزيزي القارئ لازال الحديث عن الأمر الإلهي بالإحسان ونتحدث في هذا المقال عن محبة الله تعالى لعباده المحسنين. من المعلوم أن الوصول إلى محبة الله سبحانه هي غاية الغايات، فهي منتهى أمل المحبين وغاية المنى للعاشقين، وهي ما يطمح إليه عباد الله الصالحين، ومعلوم أن هناك فرقا بين المحب لله عز وجل والمحبوب منه سبحانه.
فالمحب طالب والمحبوب مطلوب، والمحب مريد والمحبوب مراد، والمحبوب يعطى ويمنح من الله تعالى دون أن يسأل وهو كما ذكرنا في المقال السابق في معية الله تعالي، ومحبة الله تعالى تأتي بالفضل وعلى أثر صدق العبد في محبته لله وصلاحه وتقواه..
ومن علامات صلاح العبد وتقواه الإنفاق والبذل في سبيل الله تبارك في علاه، وكذا حفظ النفس من التهلكة، بإجتناب المهالك والشرور وبالمجاهدة والعمل على تزكيتها ونجاتها من العذاب في الآخرة وملازمة الإحسان في كل ما يصدر من العبد من نية وقول وفعل وعمل..
ولقد حث الله تعالى المؤمنين على ذلك ورغبهم فيه حيث يقول تعالى "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".. هذا ولقد أشار الحق عز وجل إلى ما يقيم العبد في مقام الإحسان وإلى الأبواب الموصلة إليه وإلى محبته تعالى وهي الإيمان والعمل الصالح وتقواه سبحانه والتدرج والترقي فيها..
بمعني تبدأ التقوى بمخافة الله تعالى والعمل على إتقاء غضبه وسخطه وعذابه، وهي تقوى عامة أهل الإيمان، ثم الإرتقاء إلى تقوى عباد الله تعالى المحبين الذين يتطلعون إلى رضوان الله تعالى وجواره والمقام في حال القرب والوصل به سبحانه، والذين يخشون الحرمان من جوار المحبوب عزوجل.
وهي تقوى خاصة بخاصة أهل الإيمان، وهم أهل الصدق في المحبة الذين عبدوه سبحانه وتعالى بخالص من السر فشرفهم عز وجل بخالص من الشكر، وهم الذين أقبلوا عليه تعالى بدفع المحبة الخالصة إبتغاء وجهه تعالى الكريم، لا طمعا في جنته ولا خوفا من ناره..
وإلى ذلك أشار جل جلاله بقوله تعالى “ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا” أي بإخلاص الوجهة لله تعالى. "وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
هذا وإذا نظرنا في هذه الآية الكريمة نجد أن الله تعالى ربط بين الإيمان والعمل، ثم كرر سبحانه كلمة التقوى مرتين، مرة ربط سبحانه وتعالى التقوى بالإيمان فقال "ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا".. وفي المرة الأخرى ربط التقوى بالإحسان، فقال "ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا".
أعتقد إن هذا الربط بين العمل الإيمان والعمل الصالح يصل بصاحبه إلى تقوي الله عز وجل. والتقوى تصل بصاحبها إلى الإحسان في عبادة الله تعالى وهو أن يعبد الله كأنه يراه، وهذا هو تحقيق الإحسان والذي على أثره يصل العبد إلى محبة الله تعالى له.. هذا وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى.