النظام العالمي تحت النار.. روسيا تسعى لتدشين نظام جديد.. والمناورات العسكرية البداية
لكل وقت نظامه العالمى الجديد، هكذا يشير التاريخ بداية من الحرب العالمية الثانية التى فرضت سياسة القوتين العظميين أمريكا والاتحاد السوفييتى، ووصولًا إلى سقوط جدار برلين 1990 وتدشين العهد الأمريكى الأوحد، ووصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية التى اندلعت فى 24 فبراير الماضى، ومعها بات يتشكل نظام عالمى جديد لم يسفر عن شكل محدد بعد.
نظام عالمى جديد
وبدأت روسيا تمهيد الطريق لإنشاء نظام عالمى جديد عن طريق الاستعانة بحليفتها الأولى الصين، وذلك بعد العزلة التى فرضتها الدول الغربية على موسكو لعزلها عن العالم، كعقاب لها على قرار الحرب على جارتها الأوكرانية.
ونظرا لعجز المنظمات الدولية الحالية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن فى حل الأزمات والصراعات الدولية، تأكد العالم أن هذه المنظمات أصابها العجز وأصبحت غير قادرة على إنهاء أي صراع، لذلك ظهرت آراء دولية تبحث عن بديل عن المنظمات الأممية.
بالتزامن مع ذلك أعلنت موسكو منذ أيام عن مناورات عسكرية مع دول حليفة لها وهى الصين والهند والجزائر وسوريا ومنغوليا ودول أخرى كانت ضمن الاتحاد السوفييتى سابقا، والتى ينظر إليها البعض بأنها بمنزلة تحالف جديد.
وكشفت تقارير غربية عن اقتراب الإعلان عن تحالف عسكرى جديد، يضم دول من شرق آسيا، باعتباره كحلف منافس للناتو، الأمر الذى يعيد العالم إلى حقبة القطب الشرقى والغربى.
المحور الاقتصادى
أما فيما يتعلق بالمحور الاقتصادى، فبعد العقوبات التى فرضتها دول الغرب على المنتجات الروسية، بدأت موسكو فى الاعتماد على حلفائها الصين والهند وغيرها من الدول فى بيع النفط والغاز بعد أن تم حظرهما فى الدول الأوروبية، ناهيك عن إجراءات صفقات تجارية ضخمة بين هذه الدول بالعملات المحلية، مثل الروبل واليوان، وهو ما يعتبر كسر للهيمنة الدولارية على الأسواق العالمية.
وحقق الروبل مكاسب تاريخية فى وجه الدولار الأمريكى، الأمر الذى أكسبه ثقة كبيرة فى الأسواق العالمية، وفى إطار دعم الروبل أعلنت موسكو، عن بيعها للنفط والغاز بعملتها المحلية، كما ابدت استعدادها لبيع صفقات سلاح بالروبل، مما زاد من الطلب عليه فى أسواق العملات.
وفى هذا السياق كشف تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز، تحذر فيه من تهاوى قوة الدولار فى العالم، وتنبأت بعالم ما بعد العملة الأمريكية التى ظلت مهيمنة لسنوات طويلة، مبررة ذلك بأن قوة الدولار ظهرت نتيجة ضعف العملات المنافسة له فى الماضى، لكن الآن أصبحت العملات المنافسة مثل "الروبل واليوان"، أكثر قوة من ذى قبل.
تحالفات الصين
بدوره يقول الدكتور أيمن سمير، أستاذ العلاقات الدولية، إن روسيا حتى الآن لم تعلن عن أي تحالف حقيقى مع الصين أو غيرها من الدول بإمكانه التصدى لدول الغرب، مؤكدا أن بكين تنأى بنفسها عن فكرة إنشاء تحالف قوى مع موسكو خوفا من غضب الغرب حتى لا تتأثر تجارتها مع دول أوروبا وأمريكا.
وأضاف «سمير» أن الصين لديها علاقات اقتصادية قوية مع دول أوروبا وأمريكا وحلفائها والتى تصل إلى 2 تريليون دولار فى حين علاقاتها التجارية مع روسيا لم تتعد 120 مليار دولار، وهو رقم ضئيل إذا تم مقارنته مع الغرب، موضحا أن الهند أيضًا لا يمكن أن تدخل فى تحالف مع الصين، نظرا لأن هناك خلافات حدودية بينهما أدت إلى نشوب حرب بينهما فى ستينيات القرن الماضى، للسيطرة على إقليم أكساى تشين، حتى وبعد توقف الحرب مازالت هناك مناوشات حدودية بين البلدين.
ونوه سمير إلى أن الهند عضو فى تحالف كواد، الذى تم إنشاؤه بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأستراليا، ويهدف لمواجهة توسّع نفوذ الصين فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وبرر أستاذ العلاقات الدولية أن التقارب الروسى الصينى الهندى خلال الفترة الحالية، سببه الأخطاء التى ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية، والذى بدأ بالتحديد فى 18 ديسمبر 2017 بعد إعلان إستراتيجية الأمن القومى، فى حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، بعد إعلان روسيا والصين منافستان إستراتيجيتان، ومنذ ذلك التاريخ تعمل بكين وموسكو جنبا إلى جنب، نافيا أن يرقى هذا التقارب إلى تحالف معادى للغرب.
أخطاء بايدن
وتابع: كما أن إدارة الرئيس الأمريكى الحالى بايدن ارتكبت نفس خطأ إدارة ترامب، وذلك من خلال الإعلان الإستراتيجى الأخير، الذى وضع الصين وروسيا فى خانة أكبر تهديد لواشنطن، ولكنه صنف الخطر الصينى بـ18 مرة والخطر الروسى بـ6 مرات، الأمر الذى زاد من التعاون بين موسكو وبكين.
أما فيما يتعلق بإعلان الرئيس الروسى بوتين بأن النظام العالمى فى طريقه للتغير إلى نظام متعدد وليس أحادى القطبية، قال أيمن سمير، إن أمريكا وحلفاءها فى الغرب ما زالوا فى الوقت الحالى القطب الأقوى، حتى فى حال اتحاد روسيا والصين، مبررا ذلك بأن دول الغرب تتمتع باقتصادات أقوى بكثير من الاقتصاد الروسى الصينى.
وأضاف سمير أن الكتلة الأوروبية تمتلك اقتصاد قوى، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية هى أكبر اقتصاد فى العالم، بالإضافة إلى حلفائها الآسيويين اليابان وكوريا الجنوبية، وذلك على الرغم من الاقتصاد الصينى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم إلا أن الروسى لا تمتلك قوة اقتصادية كبرى، الأمر الذى يصعب من المنافسة.
مقومات إنشاء نظام متعدد الأقطاب
وذكر أستاذ العلاقات الدولية أن الصين وروسيا تحتاجان إلى عدة عوامل ليتحول العالم من القطبية الأحادية لعالم متعدد الأقطاب، منها توسيع مجموعة بريكست من خلال ضم اقتصادات عالمية كبيرة وذات ثقل، بالإضافة إلى تخلى الصين عن حذرها وإنشاء تحالف عسكرى واضح مع روسيا.
المنظمات الأممية
واستبعد سمير أن يحدث انهيار للأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها خلال الفترة الحالية أو حتى خلال الفترة القادمة، سواء انتهت الحرب الأوكرانية الآن أو حتى بعد وقت طويل، مبررا ذلك بأن المنظمة لها دور عالمى كبير فى القضايا الإنسانية والاجتماعية والصحية ليس فقط الدور السياسى والعسكرى، حيث ظهر دورها فى جائحة كورونا وما تلاها من انتشار للأمراض، بالإضافة إلى الدور الذى تبذله من أجل جذب الرأى العالمى نحو أزمة المناخ التى أصبحت تشكل تهديدا كبيا للعالم.
موقف العرب
وبالنسبة لموقف الدول العربية، فى حال دخول روسيا والصين فى تحالف قوى واستطاعوا أن يغيروا النظام العالمى لنظام متعدد القطبية، فإن الدول العربية تسقف على مسافة محايدة من الجانبين الشرقى والغربى، وذلك لأن السياسة العربية تتجه دائما إلى الحياد والتوازن والبعد عن الصدامات.
وفى السياق ذاته قال اللواء سمير فرج، المحلل العسكرى، أن مناورات فوستوك 2022، هى بمنزلة إعلان تحالف عسكرى جديد يمثل الكتلة الشرقية، وموازٍ لحلف شمال الأطلسى "الناتو"، مضيفا أن التحالف العسكرى الجديد يضم كلا من الصين وروسيا والهند ودول الاتحاد السوفييتى التى لم تنضم لحلف الناتو، مما سيشكل قوة عسكرية ضاربة فى مواجهة التحالف الغربى.
وأوضح فرج أنه لن يتم الإعلان عن التحالف العسكرى الجديد بشكل رسمى خلال هذه الفترة، ولكن هناك اتفاقات غير معلنة بين هذه الدول، وذلك تجنبا لجر العالم لحرب عالمية ثالثة، مؤكدًا أن هذا التحالف الجديد أسهم فى تغيير النظام العالمى وتحويله من نظام أحادى القطب إلى نظام متعدد الأقطاب، وأصبحت الصين وروسيا والهند إحدى أقطابه.
تحالف اقتصادى غير معلن
ويرى الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، أن هناك تحالفا اقتصاديا بين الصين وروسيا وعدد من الدول الأخرى خاصة فى آسيا، الأمر الذى يجعل العالم يتحرك نحو نظام جديد متعدد الأقطاب ونهاية نظام القطب الواحد.
وأكد الشافعى أن التحالف الذى تم بين الصين وروسيا وحلفائهم، هو تحالف غير معلن تجنبا لتداعيات السلبية التى تنتج عن ذلك، خاصة وأن بكين تربطها علاقات تجارية قوية مع دول الاتحاد الأوروبى التى سيكون لها رد فعل فى حال إعلان الصين وروسيا عن هذا التحالف بشكل رسمى.
وشدد الشافعى على أن العالم يتجه بالفعل نحو نظام جديد قائم على كتلتين متوازيتين إحداهما فى الشرق والأخرى فى الغرب، مشيرا إلى أن الصين وروسيا يمتلكان اقتصادا قادرا على مواجهة الاقتصاد الغربى، مستشهدا بأن الغرب يحتاج لبكين أكثر من حاجتها لهم.
ونوه الخبير الاقتصادى، بأن هناك حربا تجارية قريبة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والصين من جهة أخرى، وذلك على خلفية التوترات السياسية بين الجانبين على خلفية أزمة تايوان، الأمر الذى يضع بكين وموسكو فى خندق واحد أمام العقوبات التى يفرضها الغرب.
وأضاف الشافعى أن الصين حاولت تجنب أن تدخل فى صراع مع الغرب، ولكن واشنطن بممارساتها ستجر بكين لحرب تجارية، وذلك من خلال القيود الجمركية الجديدة على البضائع الصينية، بالإضافة إلى الاتفاقيات التجارية التى وقعتها مع تايوان، مما سيجعل العالم ينقسم إلى كتلتين أمريكا وأوروبا فى جبهة والصين وروسيا فى جبهة أخرى.
نقلًا عن العدد الورقي…