المنتدى الاقتصادي الشرقي.. هندسة جديدة للعلاقات الدولية
يشكل المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك مفهومًا جديدًا للعلاقات الدولية. ففي عصر المواجهة العامة، وإغلاق الأبواب السياسية وتبادل المذكرات الدبلوماسية، يتزايد الاهتمام بالأحداث الاقتصادية في العالم باطراد حيث تسجل جميع المنتديات الرئيسية زيادة في عدد المشاركين وتوسع في جدول أعمال المناقشة، كما يتم تسهيل ذلك أيضًا من خلال دخول حقبة ما بعد COVID.
تحاول الحكومة والشركات الروسية إيجاد أشكالا جديدة من التفاعل في عالم سريع التغير، بالتالي قدمت حوافز صغيرة لأولئك المستعدين للتعاون الجاد مع روسيا. لأول مرة، أصبحت فلاديفوستوك، إحدى مدن أقصى شرق روسيا، مكانً ليس فقط لعرض الآفاق الاقتصادية لروسيا، ولكن أيضًا نقطة على الخريطة حيث قيل الكثير حول كيف أصبح العالم في الشهور الست الماضية، حيث تحدث سياسيون ورجال أعمال روس عن ذلك، كما ناقشه ضيوف من الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأفريقيا على الهامش.
لقد قيل الكثير ليس فقط عن الشرق الأقصى الروسي، ولكن أيضًا عن مناطق أخرى من الكوكب. يبدو أن حرب العقوبات التي اندلعت بين أوروبا والولايات المتحدة، من ناحية، وروسيا من ناحية أخرى، قد تجاوزت حدود الدول المشاركة في الصراع الجيوسياسي، بادئ ذي بدء، تعاني دول إفريقيا والشرق الأوسط من مشاكل في الأمن الغذائي، كما ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن سفينتين من أصل 87 سفينة فقط من أوكرانيا محملة بالحبوب إلى البلدان المحتاجة، انتهى المطاف بحمولة 85 سفينة المتبقية في الموانئ الأوروبية، ما يعني وصول 60 ألف طن فقط من الغذاء من أصل مليوني طن انتهى بها المطاف في إفريقيا والشرق الأوسط، الأشد حاجة لها.
مشكلة الأمن الغذائي
والجدير بالذكر أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي لم يحرّكوا ساكنًا، ولم يكن هناك أي رد فعل من جانبهم على هذا البيان، والذي ينم عن عدم رغبة الأشخاص المهتمين في مواصلة النقاش حول هذه القضية. أما بالنسبة للمراقبين، يبدو من الواضح أن مشكلة أزمة الغذاء العالمية، لا تهم أولئك الذين غالبًا ما يدافعون عن الإنسانية فقط بالكلمات.
كما لم يتم التطرق إلى موضوع الأمن الغذائي بالصدفة، فقبل شهر، وصل رئيس الاتحاد الأفريقي، رئيس السنغال، ماكي سال، إلى روسيا لإجراء محادثات حول الإمدادات الغذائية، وبعد أيام، شاركت وفود مثيرة للإعجاب على المستوى الوزاري من مختلف البلدان الأفريقية في منصة اقتصادية مهمة أخرى دعا لها الكرملين، ليس آخرها منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الذي انعقد في الصيف، فقد قام مبعوثون من إفريقيا بتأمين اتفاقيات طويلة الأجل وعقود تجارية مع روسيا، لكن فيما يبدو أن موسكو فقط هي المهتمة بإيجاد حلول لمشكلة الأمن الغذائي لـ 40 مليون أفريقي وطرق حلها.
سيكون هناك أيضًا نهجا جديدا لحل مشاكل الشرق الأوسط، خاصة بعد أن أصبحت روسيا وتركيا ضامنتين العلاقات الناشئ، تم ذكر هذا مرة أخرى عند مناقشة مشاكل إمدادات الحبوب، وفي الوقت نفسه، يبدو أن الشركات التركية والإيرانية، وبغض النظر عن العقوبات، تبحث عن طرق لإختراق روسيا واحتلال مجالات مربحة جديدة، من بينها، صناعة السيارات، وصولًا إلى تبادل التقنيات العالية.
بالتالي، يحصل الشرق الأوسط على فرصة لتوسيع نطاق قواه الفكرية والإنتاجية لتحقيق اختراق تكنولوجي جديد، وهذه مهمة مختلفة للمنطقة التي كانت تعتبر في السابق مصدر عدم استقرار وتهديد إسلامي للحضارة الغربية. تتلائم كل هذه الموضوعات مع المناقشات في المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك، والذي تم اعتباره منذ البداية كحدث داخلي لروسيا، ومع ذلك، أصبح نقطة البداية لهندسة جديدة للعلاقات العالمية، حيث تؤكد الأرقام ذلك، فقد أفاد منظمو المنتدى أنه تم إبرام عدد قياسي من الاتفاقات على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي–بما يقدّر بحوالى 50 مليار دولار، ما يعني أن صافرة تشكيل إتحاد اقتصادي دولي قد بدأ للتو.