مهرجان القاهرة وغياب الاحترام وعرض صعب!
الأصل والهدف من إقامة المهرجانات الفنية هو خلق تظاهرة واحتفالية كبيرة، يجتمع فيها كوكبة من صناع الفن بمختلف فروعه وتخصصاته لعرض أحدث إنتاجاتهم والتباري فيما بينهم، ليفوز من يستحق، وهذا شيء مهم بالطبع ولكن الأهم والفائز الحقيقي في النهاية هو الجمهور الذي يستمتع بكل شغف وحب بهذه الإنتاجات سواء كانت أفلاما سينمائية أو مسلسلات تليفزيونية أو عروض مسرحية أو أغنيات..
ولكن للأسف شهدت الساحة الفنية في مصر خلال السنوات القليلة الماضية ازديادًا مطردًا في عدد المهرجانات بشكل لم يسبق له مثيل، ولا يوجد له مبرر ولا تقوم عليه جهات متخصصة ذات مصداقية!
بل أن بعض هذه المهرجانات إذا جازت التسمية تتعارض مع بعضها البعض من حيث الهدف والمسمى والمكان والموعد أيضًا! وهو ما جعل معظم هذه المهرجانات تفقد قيمتها ومصداقيتها ويقل الاهتمام بها من الفنانين وصناع الفن والإعلام وحتى الجمهور العادي، ولم يعد يحظى بالتقدير والاحترام منها سوى قلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة!
من المهرجانات ذات التاريخ والمكانة وأولها بالطبع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي افتتحت فعاليات دورته الخامسة والأربعين بدار الأوبرا الأربعاء الماضي، والتي تمتد حتى الثاني والعشرين من الشهر الجاري، وهو المهرجان الأهم والأكبر والوحيد بالشرق الأوسط الذي يحمل الصفة الدولية A المعترف بها من الاتحاد الدولي لجمعيات المنتجين FIAPF بباريس..
أسسه الكاتب الصحفي الراحل كمال الملاخ عام 1976 والذي أسس أيضًا مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط بعده بعامين، وخلفه الكاتب سعد الدين وهبه الذي في عهده الأطول بين رؤسائه خطى المهرجان خطوات واسعة وحصل على الصفة الدولية، وتعاقب عليه بعد ذلك أسماء عدة مثل الفنانين حسين فهمي، عزت أبو عوف، الكتاب شريف الشوباشي، ماجدة واصف، سمير فريد والمنتج محمد حفظي حتى عاد النجم حسين فهمي مرة أخرى عام 2022.
صعود وهبوط
شهد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فترات صعود وهبوط على مدار دوراته ال44 السابقة منذ رحيل رئيسيه التاريخيين كمال الملاخ وسعد الدين وهبه، تمثل في تراجع حجم الدول المشاركة وعدد الأفلام ومستواها وتقلص مشاركة النجوم العالميين به..
فبعد أن تميز المهرجان باستضافة مجموعة من أبرز الأسماء العالمية في بداياته مثل إليزابيث تايلور، كيرك دوجلاس، أميتاب باتشان، صوفيا لورين، تراجعت قيمة هذه الأسماء بعد ذلك كثيرًا، قبل أن ينجح الرئيس الشرفي للمهرجان الفنان العالمي عمر الشريف في إقناع عدد من كبار النجوم بالحضور للمهرجان أمثال سلمى حايك، ريتشارد جير، جولييت بينوش، مات ديلون، صامويل آل جاكسون وغيرهم..
ولكن كان التراجع الأكبر لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد أحداث يناير 2011، حيث تقلص بصورة كبيرة دعم المهرجان من وزارة الثقافة ومن الرعاة وباقي مصادر التمويل، وهو ما أثر سلبا بصورة واضحة على شكل ومستوى مشاركة النجوم العالميين، وعلى تواجد نجوم الفن والسينما بمصر خاصة الشباب منهم، اللهم إلا القليل جدًا ممن يتم تكريمهم أو مشاركتهم في أفلام أو لجان تحكيم!
فيما يشبه المقاطعة غير المعلنة لهذا المهرجان الكبير الذي يمثل مصر بين المهرجانات العالمية الكبرى! صاحب هذا تراجع الاهتمام الإعلامي والجماهيري أيضًا بالمهرجان في مقابل صعود الاهتمام بمهرجانات وليدة حديثة العهد مثل مهرجان الجونة الذي نجح بقوة في لفت الأنظار إليه بطرق مختلفة مع توافر رعاة من العيار الثقيل، وهو ما افتقده بشدة مهرجان القاهرة منذ أكثر من 10 سنوات!
ومن ثم لابد من وزارة الثقافة الجهة الحكومية المسؤولة عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومن إدارة المهرجان عمل مراجعة دورية له للوقوف على أسباب تراجعه الخطير في السنوات الأخيرة وهي معروفة ومنها الحاجة إلى عقول مختلفة مبتكرة تفكر خارج الصندوق وتنجح في جذب رعاة كبار للمهرجان وتوفر مصادر تمويل متعددة وكافية له حتى يتمكن من دعوة كبار النجوم العالميين ويصل إلى الإبهار الذي وصلت إليه مهرجانات حديثة أقل منه تأريخًا ومكانة وأهمية!
إيلي ليس السبب
ولعل ذلك المشهد الذي تزامن مع افتتاح المهرجان ومكانه الرياض حيث عرض الأزياء الذي حمل كل عناصر الإبهار لمصمم الأزياء اللبناني العالمي إيلي صعب ضمن فعاليات موسم الرياض، لخير دليل على ما وصل إليه حال مهرجان القاهرة من تراجع الاهتمام بصورة شديدة من قبل أغلب نجوم الفن بمصر..
الذين فضل معظمهم حضور عرض الأزياء المذكور في بلدٍ آخر وإن كان شقيقا لمصمم غير مصري على التواجد والمشاركة في أكبر مهرجان في الشرق الأوسط يحمل اسم بلد عظيم بحجم مصر!
فشاهدنا حشدا من نجوم مصر.. عمرو دياب، محمد هنيدي، أحمد حلمي، يسرا، إسعاد يونس، عمرو يوسف، آمينة خليل، مع النجوم العرب الذين يقيمون ويعملون بمصر.. هند صبري، صبا مبارك، كنده علوش عضو إحدى لجان تحكيم المهرجان! إضافة إلى نخبة من النجوم العرب والعالميين الذين شاركوا في الاحتفالية مثل نانسي عجرم، جينيفر لوبيز، سيلين ديون.
في حين لم يظهر في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سوى قلة من الفنانين أصدقاء رئيس المهرجان النجم حسين فهمي.. ليلى علوي، إلهام شاهين، ماجد المصري، أروى جودة، شريف منير، أشرف عبد الباقي، داليا البحيري!
والحقيقة من يقول إن عرض الأزياء هو السبب في ضعف إقبال نجوم الفن على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فهو مخطئ !لآن حالة المقاطعة والإحجام عن حضور المهرجان عند أغلب النجوم خاصةً الشباب منهم، حالة ليست بجديدة وليست وليدة الحدث!
فهؤلاء يحجمون عن المهرجان لأسباب غير معروفة أو مفهومة منذ سنوات عديدة واعتقد أساسها اعتقادهم الخاطئ والمبالغ فيه بأنهم أكبر من هذا المهرجان الذي يحمل اسم مصر، التي صنعت شهرتهم ونجوميتهم! في حين يهرعون إلى الظهور في الفعاليات والأحداث الأخرى خارج الوطن طالما سيحصلون منها على أموال ومصالح ومنافع وما خفي كان أعظم؟!