رئيس التحرير
عصام كامل

الملك وأنا وأم أحمد!

'أين ترعرعت سيدتي؟!' سؤال كلاسيكي يعكس حال الصحافة المصرية خاصةً الفنية منها في فترة الأربعينيات والتي كانت طبيعتها في أغلبها الاستسهال والسطحية، وهذا السؤال الساذج وجهه المخبر الصحفي لمجلة النجمة الذي لعب دوره الفنان القدير حسن البارودي للفنانة تحية كاريوكا.. 

التي تحولت فجأة من لعبة الراقصة المغمورة بحي العوالم بنت العالمة 'سنية جنح - إلى نجمة السينما الشهيرة فاتينيتسا'، ضمن أحداث الفيلم الجميل لعبة الست الذي شارك في كتابته مع رفيق كفاحه بديع خيري ولعب بطولته العملاق نجيب الريحاني عام 1946. 
 

 

وهو ما يشير أيضا إلى الصورة السلبية التي كرسها عمدًا مع سبق الإصرار صناع السينما منذ بداياتها حتى الآن عن الصحفي ومهنة الصحافة!، رغم أنه لا غنى دون شك عن هذه المهنة المهمة بالنسبة لهم للترويج لأعمالهم ونجاحاتهم وأخبارهم وتلميعهم!

 

ولكن للأسف مع التراجع الشديد لدور الصحافة في السنوات الأخيرة وسوء أوضاع الصحفيين بفعل التردي الكبير في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية وطغيان صحافة السوشيال ميديا وانتشار الكتائب الإلكترونية الخاصة بأغلب نجوم الفن دون رقيب، تمدح هذا وتكيل الهجوم على ذاك كيفما ووقتما تشاء، عادت هذه الصورة السلبية للصحافة والصحفي لتطل من جديد بعدما صارت مهنة صاحبة الجلالة السلطة الرابعة مهنة من لا مهنة له!

 

أنا وهو وهي

لعل أكثر ما دفعني للتطرق إلى موضوع ضعف دور الصحافة في مصر وفقدانها سطوتها وبريقها في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة ومتشعبة، لا يتسع المجال والوقت لتناولها، هو ذلك الحوار التاريخي الذي دار بيني وبين الفنان الكبير الملك الراحل فريد شوقي في أواخر عام 1992، والذي كان بمثابة استشرافا لما ستأول إليه أوضاع الصحافة والصحفيين بعد ذلك بعدة سنوات ولهذا الحوار قصة طريفة سأرويها لحضراتكم في السطور التالية..


فقد كنت وقتها في بداية مشواري في عالم الصحافة أتحسس طريقي ولكن بهدف أن أصبح مختلفا ومقتحما لعالم كبار النجوم، ووقع اختياري على الفنان فريد شوقي الملقب بالملك في الوسط الفني وكم كانت سعادتي لا توصف عندما وافق على إجرائي حوار معه وحدد الموعد ظهر اليوم التالي بعد الاتصال به عن الطريق التليفون الأرضي فلم يكن المحمول قد ظهر بعد! 

 

وعلى الفور أعددت نفسي لهذا اللقاء المفصلي في مسيرتي الصحفية بجمع أكبر قدر من المعلومات عن هذا العملاق، من خلال ما نشر له وعنه في الصحف والمجلات المصرية والعربية، حيث لم تكن علاقتي بشبكة المعلومات الإلكترونية قد بدأت بعد، وذهبت إليه في الموعد المحدد ظهرًا والمكان الذي كان أحد البواخر النيلية بالزمالك حيث كان يصور بها دوره في فيلم 'سفينة الحب والعذاب' مع النجمة الجديدة وقتها الراحلة الصديقة الجميلة شيرين سيف النصر والمطرب حلمي عبد الباقي..

 

وأذكر أنه كانت تنتابني مشاعر متباينة آنذاك بين السعادة والزهو وبعض القلق والترقب، وبعد عبارات الترحاب والود من جانب الملك فاجأني بسؤال غريب لم أتوقعه مطلقًا حيث قال لي: يا شريف أوعى تسألني وتقولي بدايتك كانت إزاي؟! 

 

وأضاف أم أحمد الدلالة واللي زيها من الناس البسيطة عارفين أنا بدأت إزاي!، فأنا تعبت كتير من هذا السؤال اللي بيسأله على طول معظم زملائك من الصحفيين!، عندئذ لم أتمالك نفسي من الضحك والدهشة وقفز إلى ذهني.

 
على الفور ذلك المشهد الكوميدي ذو الدلالة في فيلم لعبة الست والذي أشرت إليه من قبل بين حسن البارودي وتحية كاريوكا! وهنا عذرت الفنان فريد شوقي لأنه عانى كثيرا طوال مشواره الفني الممتد لنصف قرن من أمثال هذا النموذج السلبي ممن ينتمي للأسف لمهنة الصحافة وهو لا يمتلك الثقافة ولا المعلومات ولا الشخصية!

 

وأمثاله صاروا هم الأكثرية في السنوات الأخيرة مع ظهور وسطوة المواقع الإلكترونية وصحافة النت والسوشيال ميديا والتي تعمل معظمها من غرف تحت بير السلم! ولا توجد مؤهلات أو مواصفات لمعظم العاملين بها ولا ينتمي غالبية هؤلاء إلى إلى نقابتنا نقابة الصحفيين!.

 

السينما والصحافة

للأسف كانت ومازالت السينما المصرية ذات التأثير الكبير في الناس، أحد أكبر المسيئين لمهنة الصحافة والصحفيين والمكرسين للصورة الذهنية السلبية لها عند الجمهور عبر تاريخها الطويل، وذلك بتقديمها العديد من الأفلام التي عكست هذه الصورة أكثر بكثير من الأعمال التي عرضت صورة إيجابية مغايرة!

 

وكان للأسف لنجاح هذه الأعمال تأثير سلبي مضاعف لدى الناس ومن أشهرها: اللص والكلاب لشكري سرحان وكمال الشناوي الذي جسد شخصية رءوف علوان الصحفي الانتهازي الذي يؤمن بالمبدأ المكيافيللي الشهير الغاية تبرر الوسيلة، الرجل الذي فقد ظله لكمال الشناوي أيضًا بنفس التركيبة تقريبًا.. 

 

ثرثرة فوق النيل الذي لعب فيه عادل أدهم دور صحفي نفعي وحشاش ويرتكب كل الموبقات، أبناء الصمت حيث نجد محمود مرسي رئيس تحرير ينافق أصحاب السلطة والنفوذ ويكيل لهم المديح ويرفض نشر أي سلبيات، القاهرة 30 لحمدي أحمد في شخصية محجوب عبد الدايم الذي كان صحفيًا في بداياته وعلى استعداد لبيع كل شيء حتى شرفه!

 

 دموع صاحبة الجلالة وهو النموذج الأكثر قسوة ووضوحًا لصناع السينما لشخصية الصحفي، حيث فضح فيها الصحفي الكبير موسى صبري نموذج منتشر بقوة في عالم الصحافة، ألا وهو محفوظ عجب الصحفي المتسلق المنافق الفاسد الذي يلعب مع كل الشخصيات وفي كل العصور يتنازل عن كل شيء مستخدما كل الطرق الملتوية لأجل الوصول لقمة الشهرة والمال ؟! 

 

وهي الشخصية التي جسدها باقتدار الفنان الراحل سمير صبري، أخيرًا برع الفنان أحمد زكي في دور الصحفي الوصولي الذي يسعى لتسلق سلم الوظيفة والشهرة من خلال امرأة جميلة ذات نفوذ، ويتعاون مع شركات توظيف الأموال، وكل همه الجري وراء النساء ضمن أحداث فيلم امرأة واحدة لا تكفي!

الجريدة الرسمية