الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة عمار بن ياسر (2 – 2)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
تناولنا في الحلقة السابقة قصة إسلام عمار بن ياسر، وأسرته، وصبرهم على أذى قريش، وتعذيب المشركين لهم، وبشارة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، لهم، ثم بشرى الرسول له بأنه سيكون مع الحق، وسيُقتل على يد الفئة الباغية.
في أحداث الفتنة انحاز عمار بن ياسر، رضي الله عنه، لجانب علي بن أبي طالب، فشارك في موقعة الجمل، ثم صفين، وكان عمره حينها 93 عامًا، واستشهد رضي الله عنه فيها، وفي تلك الواقعة حديث متواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن مقتل عمار، وهو: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، فكان مقتله رضي الله عنه مفرقًا بين الحق والباطل.
في فضل عمار بن ياسر
عن هانئ بن هانئ عن علي قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء عمار يستأذن، فقال: “ائذنوا له، مرحبًا بالطيب المطيب”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابن سُميَّة ما خير بين أمرين إلا اختار أرشدهما".
وقال عنه علي بن أبي طالب: “مؤمن بر وإن ذكرته ذكر وقد دخل الإيمان في سمعه وبصره وذكر ما شاء الله من جسده”.
شجاعته في المعارك
"يا معشر المسلمين أمِن الجنة تفرون؟!، أنا عمار بن ياسر، هلموا إليّ".
كان هذا خطاب الصحابي الجليل عمار بن ياسر فى إحدى المعارك التى خاضها تحت راية الإسلام، كان يقول ذلك بينما الدم يسيل من جراحه، لكنه لم يتوانَ عن نصرة الحق أينما رآه، وبعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وخروج معاوية زاعمًا المطالبة بدم أمير المؤمنين الشهيد، وانقسام المسلمين إلى فريقين، رأى «عمار» أن الحق مع علي بن أبى طالب، فانضم إليه يقاتل معه، ولم تشفع له 91 عامًا هى عمره، فقتله جيش معاوية بن أبى سفيان فى موقعة صفين سنة 37 هجرية.
بعد انتقال الرسول
وبعد انتقال الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى واصل عمار جهاده في مواجهة جيوش الردة والفرس والروم، وكان دومًا في الصفوف الأولى.
وفي يوم اليمامة انطلق البطل مستبسلًا، وإذا يرى فتور المسلمين يرسل بين صفوفهم صياحه المزلزل فيندفعون كالسهام، يقول عبد الله بن عمر: رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة، وقد أشرف يصيح: "يا معشر المسلمين أمِـن الجنة تفـرّون ؟ أنا عمار بن ياسر هلُمّـوا إليّ"، فنظرت إليه فإذا أذنه مقطوعة تتأرجح، وهو يقاتل أشد القتال.
واختاره عمر بن الخطاب واليًا للكوفة، وجعل ابن مسعود معه على بيت المال، وكتب الى أهلها مبشرًا: "إني أبعث إليكم عمَّار بن ياسر أميرًا، وابن مسعود مُعَلمًا ووزيرًا، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ومن أهل بدر".
في موقعة صفين
ثم وقعت الفتنة، ونشب الخلاف بين علي، كرم الله وجهه، ومعاوية، فوقف عمار إلى جانب علي بن أبي طالب مُذعنًا للحق وحافظًا للعهد.
وفي يوم صِفِّين عام 37 هجريًّا، خرج عمار مع علي بن أبي طالب، وكان عمره 93 عامًا، وقال للناس: "أيها الناس سيروا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يثأرون لعثمان، ووالله ما قصدهم الأخذ بثأره، ولكنهم ذاقوا الدنيا، واستمرأوها وعلموا أن الحق يحول بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من شهواتهم ودنياهم، وما كان لهؤلاء سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة المسلمين لهم ولا الولاية عليهم، ولا عرفت قلوبهم من خشية الله ما يحملهم على اتباع الحق، وإنهم ليخدعون الناس بزعمهم أنهم يثأرون لدم عثمان، وما يريدون إلا أن يكونوا جبابرة وملوكًا".
طالع أيضًا: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة الفاروق عمر بن الخطاب
ثم أخذ الراية بيده ورفعها عالًيا، وصاح في الناس: "والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهأنذا أقاتل بها اليوم، والذي نفسي بيده لو هزمونا حتى يبلغوا سعفات هَجَر، لعلمت أننا على الحق وأنهم على الباطل".
استشهاد عمار
وتحققت نبوءة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكان عمار بن ياسر وهو يجول في المعركة يؤمن أنه واحد من شهدائها، وكانت نبوءة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، أمام عينيه: تقتل عمارًا الفئة الباغية.
وبعد مقتل عمار بن ياسر بطعنة على يد أحد جنود معاوية بن أبى سفيان حدث جدل كبير بين الفريقين، فقد تذكر الناس حديث الرسول عن مقتل عمار، وهو مذكور فى كتب الصحاح، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "تقتله الفئة الباغية"، فقال فريق الإمام علىّ، كرم الله وجهه: هذا دليل الحق، فــ"معاوية" وجيشه فئة باغية، بدليل قتلهم عمار بن ياسر، لكن "معاوية"، بإيعاز من عمرو بن العاص، رد بأن الفئة الباغية هى تلك التى تجعل رجلًا تجاوز التسعين من عمره يخرج للحرب ويحمل سيفًا ليقاتل، بينما يذهب البعض إلى أن الفئة الباغية فى هذه الأيام الصعبة كانوا قتلة "عثمان" لأنهم أثاروا الفتنة، وهم وحدهم يتحملون وزر الدم الذى سال.
حاول رجال معاوية أن يتجنبوا عمَّارًا ما استطاعوا، حتى لا تقتله سيوفهم فيتبين للناس أنهم الفئة الباغية، ولكن شجاعة عمار وقتاله كجيش لوحده أفقدهم صوابهم حتى إذا تمكنوا منه أصابوه.
وفي قصة استشهاد عمار، لم يروِ عنها من علماء الحديث إلا الإمام أحمد في المسند، حديثا، ونصه: "عن ربيعة بن كلثوم بن جبر، حدثنا أبي قال: كنت بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر فقال الآذن: هذا أبو الغادية الجهني. فقال: أدخلوه. فدخل رجل عليه مقطعات، فإذا رجل ضرب من الرجال كأنه ليس من رجال هذه الأمة، فلما أن قعد قال: بايعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قلت: بيمينك؟ قال: نعم. قال: وخطبنا يوم العقبة، فقال: "يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام".
وقال في خبره: وكنا نعد عمار بن ياسر فينا حنانًا فوالله إني لفي مسجد قباء إذ هو يقول: إن معقلًا فعل كذا -يعني عثمان- قال: فوالله لو وجدت عليه أعوانًا لوطئته حتى أقتله، فلما أن كان يوم صفين أقبل يمشي أول الكتيبة راجلًا حتى إذا كان بين الصفين طعن الرجل في ركبته بالرمح وعثر، فانكفأ المغفر عنه فضربه فإذا رأسه قال: فكانوا يتعجبون منه أنه سمع: "إن دماءكم وأموالكم حرام"، ثم يقتل عمارًا". وقد وثق الإمام أحمد ربيعة بن كلثوم بن جبر.
كما روى حماد بن سلمة، عن كلثوم بن جبر، عن أبي غادية، قال: سمعت عمارًا يشتم عثمان، فتوعدته بالقتل، فرأيته يوم صفين يحمل على الناس، فطعنته فقتلته. وأخبر عمرو بن العاص، فقال: "سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: قاتل عمار وسالبه في النار".
حيلة عمرو بن العاص
خرج عمرو بن العاص على الناس، فقال: "والله ما قتلنا عمارًا إنما قتله الذين أخرجوه".
ويروي كذلك المؤرخون على لسان الإمام علي أنه أجاب عمرو بن العاص أنه بهذا قتلوا حمزة إذ أخرجوه يوم أُحد.. (أي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، هو الذي قتل حمزة بن عبد المطلب، في غزوة أُحُد، لأنه دعاه لقتال المشركين)، وبهذا أبطل حجتهم!!
رضي الله عن سيدنا عمار بن ياسر، الشهيد ابن الشهيد.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.