رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة بلال بن رباح

هنا دُفن بلال بن
هنا دُفن بلال بن رباح بدمشق، فيتو

في هذه السلسلة، نتناول استعراضا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.


في هذه الحلقة، نتناول تفاصيل الليلة الأخيرة، ومشهد الوداع في حياة صحابي جليل هو سيدنا بلال بن رباح، رضي الله عنه. عبد حبشي أعزه الله بالإسلام، وصبر على العذاب، والآلام، فصار أشهر من الملوك، وبشره النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، بالجنة وهو لا يزال على الأرض.

هو بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله، صحابي جليل كان عبدا من عبيد قريش.
وكانت ولادته، رضي الله عنه، بعد عام الفيل بثلاث سنوات، وقد كان من السابقين إلى الإسلام.

إسلامه

كان بلال بن رباح أوّل من آمن من العبيد، حيثُ كان يرعى غنمًا لعبد الله بن جدعان، فرآه النبيّ، صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر، فناداهُ وطلب منه اللّبن، فأخبرهُ أنّه ليس معه إلا شاة واحدة، فطلب منه أن يأتي بها، فحلبها سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وشرِب، ثُمّ سقاه منها، فكانت الشاة أنشط مما كانت عليه، فدعاه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى الإسلام، فأسلم.
واستمر يأتي إلى نفس المكان لمدّة ثلاثةِ أيام يتعلم الإسلام. فمرّ أبو جهل بعبد الله بن جدعان وأخبرهم أنّ غنمهم أصبحت تنمو منذ ثلاثة أيّام، وأنّ بلال يذهب لمرعى ابن أبي كبشة، فمنعوا بلالًا من الذهاب إلى المكان.


ودخل ذات يومٍ الكعبة، فالتفت فلم يرَ أحدا من قريش، فبصق على الأصنام، وقال: "خاب وخسر من عبدكنّ"، فعلمت قريش بذلك، فهرب بلال إلى دار سيّده عبد الله بن جدعان بعد أن طلبته قُريش، فأخرجه عبد الله لهم، وأهداهُ لأبي جهل وأُمية بن خلف؛ ليفعلوا به ما يشاؤون.

صبره على التعذيب

فعذبه أمية بن خلف.. وكان يردد: أحدٌ أحد، ويقول: "لو أعلمُ كلمةً تُغيظهم أكثر منها لقُلتها لهم".
وأحيانًا يُجيبهم: "لا إله إلا الله مُحمدٌ رسول الله".
صبر على التعذيب ولم يكن يردد سوى: "أحد، أحد".

وكان كفار قريش يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها إلى جهنم قاتلة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان، ثم يأتون بحجر متسعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه: اذكر اللات والعزى فيجيبهم: "أحد.. أحد".
وإذا حان الأصيـل أقاموه، وجعلوا في عنقـه حبلا، ثم أمروا صبيانهـم أن يطوفوا به جبال مكـة وطرقها، وبلال لا يقول سوى: أحد.. أحد.
قال سعيد بن المسيب عنه: كان شحيحًا على دينه، وكان يعذب، فإذا أراد المشركون أن يقاربهم، قال: الله الله.
ثم اشتراه أبو بكر، رضي الله عنه، ثُمّ أعتقه؛ ليُخلّصهُ من التعذيب.  وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا". 

كان شديد السمرة، نحيف، مفرط الطول، كث الشعر، لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه إليه إلا ويحني رأسه ويغض طرفه، ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل: إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا.
تشرّف بلال، رضي الله عنه، بأن كان مؤذّنًا للرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يؤذّن في حضره وسفره، وهو أول من أذّن في الإسلام، ولما فُتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة أمره النبيّ، صلوات الله وتسليماته عليه، أن يؤذّن على ظهر الكعبة؛ وذلك لجمال صوته.

ضريح سيدنا بلال، فيتو
ضريح سيدنا بلال، فيتو


وبعد هجرة الرسول والمسلمين إلى المدينة، آخى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بين بلال وبين أبي عبيدة بن الجراح.
وقد تزوج، رضي الله عنه، عدة نساء، ومنهن هند الخولانية، وقيل بأنّه لا عقب له، أي لم يكن له ذرية.
وكان أيضا خازنًا لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على بيت مال المسلمين.
وشهد غزوة بدر وجميع الغزوات مع رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وتمكّن، رضي الله عنه، من قتل أمية بن خلف، سيده الذي كان يعذبه من قبل، في بدر.

ذهب يوما يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما: "أنا بلال وهذا أخي، عبدان من الحبشة، كنا ضالين فهدانا الله، وكنا عبدين فأعتقنا الله، إن تزوجانا فالحمد لله، وإن تمنعانا فالله أكبر".

بشرى الرسول له

قال رسول الله: "إني دخلتُ الجنة، فسمعت خشفةً بين يديّ، فقلتُ: يا جبريل ما هذه الخشفة؟ قال: بلال يمشي أمامك".
وقد سأل الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بلالًا بأرْجى عمل عمله في الإسلام، فقال: لا أتطهّرُ إلا إذا صليت بذلك الطهور ما كُتِبَ لي أن أصلّيَ.
كما قال، عليه أفضل الصلاة وأتم السلام: "اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة: إلى علي، وعمّار، وبلال".
وقال الرسول، صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبيٌّ قبلي إلا قد أُعطيَ سبعة رفقاء نُجباء وزراء، وإني أعطيتُ أربعة عشر: علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين، وأبو بكر وعمر والمقداد وحذيفة وسلمان وعمار وبلال وابن مسعود وأبو ذر.

الأذان الأخير

وبعد انتقال سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، توقف عن الأذان، واستأذن أبا بكر في الجهاد، فأجابه بأن يبقى معه حتى يُتوفى، فبقي معه حتى تُوفّي أبو بكر.
وفي خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أذن له في الجهاد، فخرج إلى الشام مُجاهدًا.
ورأى بلال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في المنام، فرجع إلى مقامه، صلى الله عليه وسلم، في المدينة، وبكى عنده، وجاءه الحسن والحُسين ليؤذّن لهما، فصعد إلى سطحٍ وأذّن، وأخذ الناس بالبكاء من صوته ولتذكّرهم لرسول الله.
وعندما فتح عمر بيت المقدس توسل المسلمون إليه أن يحمل بلالًا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة.
ودعا عمر بن الخطاب بلالًا، وقد حان وقت الصلاة، ورجاه أن يؤذن لها، وصعد بلال وأذَّن.
فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله وبلال يؤذن.. بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا، وكان عمر أشدهم بكاءً.

وفاته

استأذن بلالٌ عمر بن الخطاب، أن يخرج إلى الشام مرابطًا في سبيل الله، فأقام فيها فترة.
وتوفي بعد أن أصابه طاعون عمواس، في دمشق، وله بضع وستون سنة، وكان ذلك في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين للهجرة، ودفن تحت ثرى دمشق، بالباب الصغير.


ويوجد قبر ومدفن ومقام للصحابي الجليل بلال بن رباح في دمشق. وفي المملكة الأردنية الهاشمية يوجد ضريح له في حي الفقراء في منطقة وادي السير. 
حينما أتى بلالا الموت، انتحبت زوجته جزعا، وقالت: "واحُزناه".
فكشف الغطاء عن وجهه، وهو في سكرات الموت، وقال: لا تقولي واحزناه، بل قولي وافرحتاه، ثم قال: "غدا نلقى الأحبة، محمدا وصحبه".
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية