الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة ذي النورين عثمان بن عفان (2 - 2)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
تنبه سيدنا عثمان إلى خيوط المؤامرة التي بدأت تنسج حوله، متأخرا، ومع ذلك فلم يتعامل معها بمنطق الحاكم الذي يجب أن يضرب بقوة لحماية الاستقرار، بل تعامل مع المتآمرين بشخصيته العاطفية، الزاهدة، وعفا عنهم، ثم اعتزل الناس في بيته، راغبا عن الخلافة والحكم، وأخطأ بعدم تفويض الحكم لمن يراه الأصلح.. بل ترك الأمور تسير إلى نفق مظلم، وهو ما كان بمثابة فرصة لم يحلم بها أعداء الإسلام.
تفاصيل الفتنة الكبرى
افترى جماعة من أهل الفتنة تصرفات باطلة على عثمان رضي الله عنه، وهاجموا ولاته في الأمصار، وطعنوا في مصداقيتهم.
وازدادت حدة الفتنة على يد عبد الله بن سبأ اليهودي، المعروف باسم ابن السوداء، وكان يدَّعي الإسلام، وقد توجه إلى البصرة وحاول أن يُحدث فتنة فيها، فاجتمع عليه نفرٌ سمعوا له، لكنه أُخرج منها، وقصد الكوفة ففعل فيها مثل ما فعل في البصرة، وأخرج منها، فاستقر في مصر، وبقي على تواصل مع أهل الفتنة من البصرة والكوفة.
وكان معظم حديث عبد الله بن سبأ عن التشنيع بولاة عثمان، والطعن بهم، ومهاجمتهم، ثم تجرَّأ حتى أصبح يهاجم الخليفة نفسه.
وكانوا يخططون للقدوم إلى مكة في موسم الحج والخروج على أمير المؤمنين وعصيانه علنا.
وصل خبر لعثمان عما يخططه أهل الفتنة في البصرة والكوفة من رجلين شهدا التخطيط والتدبير، فأرسل إلى الكوفيين والبصريين، ونادى: الصلاة جامعة! فأقبل الرجلان، وشهدا بما علما؛ فقال المسلمون جميعا: اقتلهما؛ فإن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "مَن دعا إلى نفسه، أو إلى أحد وعلى الناس إمام، فعليه لعنة الله فاقتلوه".
طالع للمزيد: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة بلال بن رباح
لكن عثمان قال: "بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، ولا نحادّ أحدا حتى يركب حدّا، أو يُبدي كفرا".
ثم أخذ يرد عليهم مزاعمهم وافتراءاتهم، ويؤيده المهاجرون والأنصار، حتى أفحم أهل الفتنة، فرجعوا إلى بلادهم وعزموا على العودة في موسم الحج لاقتحام المدينة.
المؤامرة
وأثناء موسم الحج اجتمع أهل الفتنة في المدينة بشكل منظم متفق عليه مسبقا، وحاصروا دار الخليفة، وضيقوا عليه، وشارك في الفتنة كثيرون ممن غُرِّر بهم.
وواجهوا عثمان باتهاماتهم، فردَّ عليهم كل اتهاماتهم الباطلة، لكنهم أبوا السماع له، وبقوا مصرين على موقفهم وخيروه بين عزل نفسه أو قتله فرفض، رضي الله عنه.
فحاصروه واشتد عليه الحصار، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا، ثم أطلَّ عليهم عثمان وقال: "يا أيها الناس، اجلسوا. فجلسوا المحارب والمسالم. فقال لهم: يا أهل المدينة، أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي".
ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم، ويجمعكم على خيركم؟ أتقولون: إن الله لم يستجب لكم وهُنتم عليه وأنتم أهل حقه؟ أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبالِ من وَلِي والدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة إنما كان مكابرة، فوكل الله الأمة إذا عصته ولم يشاوروا في الإمامة؟ أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمري؟".
وأخذ يبين لهم حرمة نية قتله وعقاب القتل عند الله، وقال لهم: "أنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها! فمهلا لا تقتلوني؛ فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفسا بغير حق؛ فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم، ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبدا".
إقامة جبرية
وفيما يشبه الإقامة الجبرية الطوعية، لزم داره وأمر أهل المدينة بالرجوع، فرجعوا باستثناء نفر من الصحابة، وبعد 18 ليلة من الحصار سمعوا بجنود من الأمصار تهيؤوا لنصرة عثمان، فشددوا الحصار عليه ومنعوه من كل شيء حتى الماء. وبقي نفرٌ من الصحابة وأبنائهم يدافعون عنه، وأهل الفتنة يزدادون فجرا وإصرارا على الباطل.
وأمر الخليفة الصحابة بالانصراف وترك الدفاع عنه، ويروي عبد الله بن عامر بن ربيعة ما حدث قائلا: "كنتُ مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه. ثم قال: قم يا ابن عمر - وعلى ابن عمر سيفُه متقلدا- فأخبر به الناس. فخرج ابن عمر والحسن بن علي. وجاء زيد بن ثابت فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله، مرتين. قال عثمان: لا حاجة بي في ذلك، كُفُّوا".
وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عنده، فإنه جاء الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم، فعزم عليهم في وضع سلاحهم وخروجهم، ولزوم بيوتهم. لأنه لا يريد للفتنة أن تكبر ويحدث قتال بين الصحابة وأهل الفتنة.
وقيل إن مدة هذا الحصار استمرت ما بين 20 و40 يوما، وفي آخره لم يسمحوا له حتى بالذهاب إلى الصلاة.
استشهاده
ترددت عدة روايات في استشهاد عثمان:
فعن ريطة مولاة أسامة قالت: "كنت في الدّار، إذ دخلوا عليه، وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل، وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه وتعاوروه بأسيافهم فرأيتهم ينتهبون بيته".
وقال مجالد عن الشعبي: "جاء رجل من "تجيب" من المصريين والناس حول عثمان فاستل سيفه، ثم قال: أفرجوا ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السيف لتمنع عنه، فحزّ السيف أصابعها.
وقيل: الذي قتله رجل يقال له حمار".
وقال عبد الرّحمن بن عبد العزيز: "سمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد وضربه سودان المراديّ فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق وطعنه تسع طعناتٍ، وقال: ثلاث للّه وستٌّ لما في نفسي عليه".
وعن المغيرة قال: "حاصروه اثنين وعشرين يوما، ثمّ أحرقوا الباب فخرج من في الدّار".
وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: "فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجلٌ، فقال: بيني وبينك كتاب اللّه، فخرج وتركه، ثمّ دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب اللّه، فأهوى إليه بالسّيف، فاتّقاه بيده فقطعها، فقال: أما واللّه إنّها لأوّل كفٍّ خطّت المفصّل، ودخل عليه رجلٌ يقال له الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسيف، قال: فو الله ما رأيت شيئا ألين من حلقه، لقد خنقته حتّى رأيت نفسه مثل الجان تردّد في جسده".
استشهد، رضي الله عنه، في شهر ذي الحجة سنة 35 للهجرة بعد إتمامه 12 عاما من الخلافة، ودفن بالبقيع.
وبموته، بهذه الطريقة البشعة، انفجرت أحداث الفتنة الكبرى، التي لانهاية لها.. وانتهى عصر السلام، وبدأ الاقتتال بين أبناء الأمة الواحدة.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.