رئيس التحرير
عصام كامل

الاحتلال عن بعد

رغم كل اتفاقات السلام وأوسلو والانسحاب من غزة لم يكن أي شبر في فلسطين خارج سيطرة الاحتلال، وبقيت غزة حتى خروج الجيش الإسرائيلي من القطاع عام 2005 معرّفة بأنها منطقة محتلة، وفق القانون الدولي.

 

وهذا يعني أن القطاع لم يتحرَّر، ولكن المشكلة أن الأدوات الاحتلالية، مع تطور التقنيات والسيطرة شبه المطلقة على الحدود البرية والبحرية والجوية، أعطت إسرائيل ميزة الاحتلال عن بعد،  فأعادت احتلال القطاع عبر طرائق ملتوية وحتى إبداعية أو شيطانية أحيانًا بعد الخروج منه، وبتكاليف أقل..

 

فبعد الحرب العالمية الثانية وتطور وسائل الحروب أصبح هناك ما يعرف بالاحتلال عن بعد وهناك مثلا العقوبات الاقتصادية التي تعتبر نوعا ملطفا من أنواع التدخلات العسكرية غير المباشرة، فهي في نهاية المطاف ليست إلا نوعا من الفرض والقسر والإكراه..

 

وقد تسببت العقوبات الغربية للعراق في إلحاق أضرار اقتصادية وإنسانية وصحية وتعليمية بالغة بالعراقيين، ووصفت تأثيراتها بالكارثية في المجالات الإنسانية، حيث أدت إلى وفاة أكثر من مليون ونصف من العراقيين، وحرمت العراقيين لأزيد من عقد من الزمن من الحصول على إحتياجاتهم الأساسية من الدواء والغذاء.. 

 

ونفس الأمر فعلته أميركا مع إيران منذ عقود عبر نظام عقوبات اقتصادية عزل طهران عن العالم. وسبق أن فعلت ذلك أيضا مع دول عدة منها فنزويلا.. بل حتى في إطار حرب اقتصادية باردة مع الصين، أما حرب العقوبات الأحدث والأشد قسوة فهي تلك التي شنتها أميركا وحلفائها الغربيين على روسيا مع بدء حرب الأخيرة في أوكرانيا. وكان فرض العقوبات على اقتصاد روسيا أخطر من إرسال الأسلحة إلى كييف.


وتلجأ الولايات المتحدة الأميركية إلى سلاح العقوبات الاقتصادية لأنه أقل تكلفة من الحروب العسكرية، ولأن أميركا هي المسيطرة على نظام سويفت وتحكم العالم بالدولار، فبالتالي هي قادرة على فرض عقوبات اقتصادية.. 

 

وهناك حروب الجيل الرابع التي تتجاور فيه الأسلحة التقليدية أسلحة معنوية هدامة بالغة الشراسة باستخدام كل أدوات ووسائل الميديا والدعاية الحديثة والأكثر تطورا، لشن هجمات كاسحة على ثقافة وأيديولوجية العدو.. باستغلال الاختلافات العرقية والدينية، بل والمذهبية داخل الدين الواحد لهدم الدولة من الداخل..  

 

ومن أساليب هذه الحرب أيضا تواصل الحرب النفسية من خلال تكثيف الشائعات وزرع العملاء وحشد الكتائب الإلكترونية التي تروج الأكاذيب والأخبار الزائفة وتتصيد أوجه القصور التي لا تخلو حكومة منها..  

 

ثم كان أن دخل الذكاء الاصطناعي في الحرب عن بعد وبالتالي الاحتلال عن بعد إذ أظهرت تلك التجارب أن الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون أكثر دقة من الأسلحة الموجهة بالبشر؛ ما قد يُقلل من الأضرار الجانبية ويسعى الجيش الأمريكي إلى أن تكون قواته روبوتية أساسًا بحلول عام 2025..  

 

وتنص إحدى الخطط على أن تشمل الوحدات العسكرية 150 جنديًّا و2000 روبوت، وستتمتع الروبوتات باستقلالية جزئية أو كاملة ضمن حدود المهمة، كما أصبحت الحرب السيبرانية حقيقة لشل الدولة وافقادها سيطرتها علي كل ما يجري فيها.. 

 

وهو ما يعني بالضرورة قطع كل وسائل الاتصالات فيها لتعطيل مراكز اتخاذ القرار عن القيام بدورها في إدارة الأزمة، وشل أنظمتها الدفاعية والامنية ومنشآتها ومرافقها الاقتصادية الحيوية، وغيرها من البني التحتية والهياكل الاساسية، وهو ما يحدث ارتباكا هائلا في كل مجالات الحياة..

 

 

وأخيرا تذرعت دول غربية عديدة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان لفرض عقوبات اقتصادية على دول من أجل التدخل في شؤونها الداخلية، كما في ليبيا والسودان وسوريا والعراق، وفي السابق على هاييتي ويوغسلافيا وجنوب أفريقيا وكوريا الشمالية حتى الآن وكوبا لمدة 50 سنة.. وكله احتلال عن بعد.

الجريدة الرسمية