رئيس التحرير
عصام كامل

خلقوا لزمان غير زماننا (1)

هل سألت نفسك: لماذا هذا الاختلاف بين الآباء والأبناء منذ بدء الخليقة؟ هل هو طبيعة الأشياء أم سوء التقدير أم سوء التربية أم هو صراع الأفكار والتصورات بين جيل عاش الحياة بكل تفاصيلها وجيل جديد جاءه متاع الحياة على طبق من فضة دون تعب ولا اجتهاد؟ أم هي كل هذه الأشياء مجتمعة؟!


سيبقى بين الآباء والأبناء مسافات يعجز كثيرون عن اجتيازها للوصول للآخر.. هناك فرق أجيال يتجدد مع كل جيل، وفجوة تتمدد بين جيل عاش الحياة بطموحها وآلامها وجيل يستقبل الحياة ولا يدرى كثيرًا من خباياها ومصاعبها.. أفكار تتصارع وطباع تختلف وعقول ترى الدنيا بمنظار مختلف..

آباء ينسى كثيرٌ منهم أنهم كانوا يومًا ما أطفالًا صغارًا تتعارض رغباتهم مع الآباء، فيتذمرون من طلبات الآباء وأوامرهم، وأن أبناءهم خلقوا لزمان غير زمانهم.. وأبناء يتغافلون عن حقيقة مهمة وهى أنهم وما يملكون لآبائهم.. 

وسرعان ما تتبدل المواقف وتتغير المواقع ويجد الأبناء أنفسهم، وقد صاروا آباء يقفون أمام أولادهم يحاولون رسم ملامح الحياة لهم، يملون عليهم ما يجب فعله وما ينبغي تركه حبًا لهم وخوفًا عليهم، وليس تجبرًا ولا تسلطًا كما يفهم كثير من الأبناء- عليهم.

ويغيب عن أذهان معظم الأبناء، أنه سيأتي يوم قريب أو بعيد يقفون فيه أمام أولادهم، يفرضون عليهم ما يرونه أنسب لهم في كل شيء، ويحددون لهم الخطأ والصواب، ويقسون عليهم أحيانا دون أن يدروا من قسوتهم شيئًا.

يا لها من مفارقة عجيبة.. لكن الأعجب أن الأبناء إذا فقدوا آباءهم استعادوا شريط ذكريات حياتهم معهم، ويتمنى كثيرٌ منهم أن يعود أبوه يومًا واحدًا للحياة فينكب على يديه وقدميه يقبلها؛ عرفانًا بفضل جحده أثناء حياته، أو تكفيرًا عن عقوق أفلت منه يومًا تجاه أبيه الذي لم يكن يحب في دنياه شيئًا أكثر من حبه لأولاده؛ فهو الوحيد الذي يتمنى أن يصيروا أفضل منه حالًا ومآلًا حتى لا يعانوا ما عاناه في حياته.. لكن مَن مِن الأبناء يدرك ذلك إلا ما رحم ربي؟!

ما أسرع مرور الأيام، وتسابق السنوات وتغير الملامح وتبدل الأفكار والمواقف.. وما أصعب الفجوة بين الآباء وأبنائهم.. وهى فجوة قد تكون عمرية أو ثقافية أو فكرية أو اجتماعية وقد ساعدت التكنولوجيا والسوشيال ميديا في تعميق تلك الفجوة.. 

لا سيما في ظل انشغال الآباء في صراع الحياة وتدبير الأقوات، مع تدفق موجات الغلاء وتراجع القيمة الشرائية للدخول، وانحسار الدور التربوي للأسرة والمدرسة حتى صار جيل الشباب يواجه بحرًا متلاطمًا من الأفكار والرغبات والتحديات، وما يسببه ذلك من ضغط نفسي كبير.. 

 

 

وهو ما يعنى أننا في حاجة كبيرة لمضاعفة الجرعات التربوية والتوعوية والمزيد من التفهم لمعاناتهم، وإدارة حوار بناء معهم والكف عن انتقادهم أو التقليل من شأنهم للوصول إلى الدفء الأسرى والصلاح المنشود.. فهل نحن مستعدون لمثل هذا الحوار الأسري والتربوي المفقود؟!

الجريدة الرسمية