رسالة إلى صوفية العصر (1)
تعلمنا من مشايخنا الأفاضل وأصحاب المنهج الصوفي السٌني الصحيح الخالي من الشطط والخٌزعبلات والذي أساسه الحب الخالص لله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والذي يدور حول تزكية النفس وتطهير القلب وإسقاط الأنا، وعدم رؤية النفس وسمو الروح والذي أساسه الشريعة الإسلامية الغراء.
وتعلمنا أن الطريق اتباع لهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واقتداء بحضرته والتمسك بهديه وسنته، وأن التصوف تخلُق يبدأ بالاستقامة ومجاهدة النفس والسعي إلى تزكيتها والتخلي عن كل وصف زميم عالق بها، والتحلي بالصفات الكريمة المحمودة حتى يكن العبد أهلا للتجلي، أي يشرق الله تعالى على قلبه بالعلوم والمعارف والأنوار..
وتعلمنا أن سالك طريق الله تعالى لابد له من قائد يقوده في رحلة السلوك، وأن الشيخ المربي بمثابة المنارة التي تٌنير الطريق لطالبه، وهو الذي أشار الله تعالى إليه بقوله (الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)، الذي يرى بنور الله تعالى كوامن النفس والأمراض المبطونة فيها ويعلم دواء كل داء عالق بها.
وله ثلاثة أركان وهي شريعة بمعنى أن يكن عالما فقيها في علوم الشريعة، والتي هي أساس سلوك طريق الله تعالى، وطريقة بمعنى أن يكون قد سلك الطريق من قبل وفتح الله تعالى عليه وأنار له البصيرة، وأتاه الحكمة ورزقه فهما ربانيا من لدنه سبحانه.
وأن يكون من أهل الحقيقة بمعنى أن يحقق العبودية الخالصة لله عز وجل، ويتحقق بها ويكون عبدا ربانيا متخلق بأخلاق الله تعالى.. وهو صاحب النفس المٌزكاة المُخاطبة من الله تعالى بقوله (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي).
هذا وأن يكون له ثلاثة أركان متأصلة في ذاته وهي: أن يدل على الله تعالى بأقواله وأفعاله وأحواله، فهو الذي ينهض بالمريد حاله ويدله على الله تعالى بأفعاله ومقاله، ولابد أن يكن من أهل الشفقة والرحمة والصدق والتصديق والزهد والشجاعة والعفة والحياء والكرم والعلم والعمل والقنع والرضا، هذا ما تعلمنا من مشايخنا الأفاضل..
وللأسف نجد في هذا الزمان الذي كثُر فيه أدعياء المشيخة والمتنطعين، نجد أفعال وأحوال كلها صادرة عن أنفس مريضة وتسيئ إلى التصوف الحقيقي وأهله السادة الكمل أهل الزهد والإيمان والصلاح والتقوى.. وهذا ما سوف نتحدث عنه في المقال التالي بمشيئة الله تعالى.