من الآيات القرآنية الجامعة (9)
عزيزي القارئ لازال الحديث عن الأمر الإلهي بالإحسان.. أثناء مراجعتي للآيات القرآنية التي وردت في الإحسان استوقفتني آية، وحرت وتعجبت عند قراءتها ووجدتني أقول في نفسي: كيف يا ربي؟ وهي قوله تعالى "وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ".. ووجدتني أتساءل.. كيف يقابل العبد إحسان ربه تعالى ومولاه جل في علاه وهو إحسان منقطع النظير لا حد له ولا منتهى..
فالله تعالى هو المُتفضل علينا بنعمة الخلق والإيجاد ومنه سبحانه النعم والإمداد، وهو الذي يقابل المعصية بالتوبة والمغفرة والبخل بالكرم والجود، ونعمه تعالى وفضله سبحانه لا حصر لهما وصدق تعالى إذ قال "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ"..
والفضل الإلهي في المتعدد في النعمة الواحدة يتخطى ويتعدى الحصر والإحصاء وصدق سبحانه إذ قال "إِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا"، أي الفضل الإلهي في النعمة الواحدة، هذا ومن إحسان الله تعالى على عباده المؤمنين أن وهبهم نعمة الشكر وهي نعمة عٌظمى تستوجب الشكر عليها.
وقد جاء في الأثر عن سيدنا داود عليه السلام أنه سأل الله تعالى قائلا: ربي كيف أشكرك سبحانك والشكر نعمة منك تستوجب الشكر؟ وهذا القول فيه الإقرار منه بعجزه عن شكر ربه تعالى. فأوحى إليه عز وجل قوله "الآن قد شكرتني يا داود".
وهذا معناه أن إقرار العبد بعجزه عن شكره لربه تعالى يجعل صاحبه شاكرا لله سبحانه. هذا وبالمفهوم البسيط للآية الكريمة نقول أن مطالبة الله عز وجل العبد بمقابلة إحسانه سبحانه بالإحسان تعني إخلاص الوجهة لله تعالى في عبادته ورؤية العبد الفضل والمنة وشكره عليها، وتعني وضع نعم الله تعالى حيث أمر الله وفيما يرضيه سبحانه وعدم معصيته بها.
هذا من وجهة، ومن وجهة أخرى الإحسان في معاملاته مع الخلق في القول والفعل ومقابلة الشر منهم بالخير والإساءة بالإحسان، والقطع بالوصل، والمنع بالعطاء والظلم بالعفو، كما أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حيث قال: "صل من قطعك وأعطي من حرمك وأعف عمن ظلمك" قمة الإحسان في المعاملات..
وفي إشارة إلى المدخل والباب الموصل إلى ولاية الله وإلى فتح خزائن الفضل والعطاءات الإلهية يقول سبحانه: “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ”، هذا وفي آية أخرى كريمة فيها صيغة الواجب والمفروض والتعجب أيضا يقول تبارك في علاه “هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ”، هذا وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى..