رئيس التحرير
عصام كامل

الفضيلة الغائبة والوزير الجديد

في زيارة لى إلى إيران سألت أحد المسئولين عن تجربتهم التعليمية بعد الثورة الإسلامية، ووصول الخومينى إلى رأس السلطة، وكانت إجابة الرجل بسيطة إلى درجة التعقيد.. قال المسئول: حددنا مواصفات الإنسان الإيرانى في القرن القادم، وبدأنا بعدها تنفيذ ما آلت إليه النقاشات.

 

تذكرت تلك الواقعة وأنا أتابع ردة الفعل الشعبية مع خليط من ارتباك مقصود على مواقع التواصل الاجتماعي، وما آلت إليه من سيادة روح الانهزامية ومحاولة الحكم على تجربة وإلصاقها بالوزير الجديد، رغم أنه جاء إلى منصبه بعد اختمار ونضوج الأفكار الجديدة.

 

مشكلتنا أننا لم نحدد ما هى مواصفات الإنسان المصري في القرن الجديد، مع دراسة الأوضاع الاجتماعية، وتنامى ظواهر ارتبطت جملة وتفصيلا بوقائع إزالة الحواجز تماما بين الدول، وظهور مفهوم جديد للسيادة والحدود المتعارف عليها قديما، قبل ظهور الإنترنت، وتلاشى فكرة الحدود تماما.

 

وأعود إلى ما أعلن عنه من إعادة تنظيم المناهج التعليمية للثانوية العامة، والاعتقاد بأنه من بنات أفكار الوزير الحالى السيد محمد عبد اللطيف، والحقيقة على غير ذلك، فقد استطاع الوزير الجديد إعلاء شأن قيمة جديدة في هذه الفترة الوجيزة منذ توليه مسئولية التعليم قبل الجامعى وحتى تاريخه.

 

من الوقائع التى لا يعرفها كثيرون أن لدينا مجلس أعلى للتعليم قبل الجامعي، يضم بين أعضائه نخبة مختارة من مسئولين وخبراء من مهامهم  مناقشة الأفكار والخطط  والمناهج التى تحقق الأهداف المرجوة من التعليم قبل الجامعي، ومن الوقائع أيضا أن الدكتور طارق شوقى الوزير الأسبق كان قد قضى على هذا المجلس تماما.

 

ما فعله طارق شوقى هو أنه تجاهل الدور المكلف به المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، وانفرد بالقرار طوال فترة وجوده بالوزارة، مستفيدا من علاقته القوية بمتخذى القرار، وتحول المجلس في عهده إلى مجرد لافتة وديكور، يعقد معه اجتماعا كلما أراد هو وليس المجلس.

 

والحاصل أن السيد محمد عبد اللطيف أعاد المجلس مرة أخرى إلى الواجهة، رغم أن القانون 139 لسنة 1981م يمنح الوزير سلطات واسعة، تبدأ بوضع التصورات والخطط والمناهج، ثم إقرارها وتنفيذها بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى.

 

عودة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى إلى الواجهة مصدر ثقة للمجتمع، لأنه يضم بين عضويته نخبة من الخبراء والمسئولين، ومع التأنى فيما اتخذ من تدابير وتخطيط، وتغيير في منظومة الثانوية العامة نستطيع القول إننا أمام تجربة جديدة نظن أنها أفضل كثيرا مما كانت عليه  على الأقل.

 

وإذا كان الحوار الوطنى قد أفصح في عدد من جلساته حول التعليم عن نية إنشاء المجلس الوطنى للتعليم والبحث العلمي، وهو المجلس الذى سيضم بين أعضائه تسعة عشر وزيرا، تتقاطع وزارتهم مع مجالات التعليم في مصر، مع نخبة من الخبراء وأساتذة التربية، فإن هذا المجلس في حال إنشائه فإنه سيغير مجرى تاريخ التعليم في مصر.

 

فمع ظهور المجلس الجديد ستنتهى تماما حالة الارتباك التى تصاحب تغيير الوزراء، ليتحول الأمر إلى خطط استراتيجية لا يمكن لوزير أو وزراء تغييرها أو العبث بها كما كان يحدث في فترات تاريخية شهدت عبثا غير منطقى بمنظومة التعليم في مصر، وأدت بنا إلى ما نحن عليه الآن.

 

ويخطئ من يتصور أن مستوى التعليم في مصر في حالة يرثى لها، إذ لا تزال مصر أكبر منتج علمى وثقافى في محيطها، ولا يعنى ذلك أننا نعيش في واحة تعليمية، أو أننا نحيا عصرا ذهبيا للتعليم، فما شهده التعليم على مدار الأربعين سنة الماضية، هو بكل المقاييس عبث وجنون وتردٍ واضح.

 

ومع العبث المتوالى منذ سنوات مبارك فإن المأمول من التعليم المصرى أن ينهض بالبلاد باعتباره قاطرة التنمية الحقيقية، إذ لا يمكن لأى بلد أن يحقق نهضته الاقتصادية والاجتماعية دون نهضة تعليمية، ومصر قادرة على ذلك، ولديها من الخبرات والأدوات ما يجعلها فى منطقة أكثر رحابة في محيطها.

 

أولى أدوات النهضة اهتمام الأسرة المصرية بالتعليم، باعتباره طريق عدالة ومنهجا متاحا لصعود السلم الاجتماعي، وما تنفقه الأسرة المصرية على التعليم يفوق ما تنفقه أى أسرة في العالم، وذلك مقارنة بالدخل وظروف الحياة المعيشية وهو أمر محمود يمكن البناء عليه.

 

 

أيضا لدينا تاريخ حافل بالإنجازات التعليمية في فترات كان التعليم فيها أولوية للدولة، قبل أن يتراجع ليصبح الإنفاق على التعليم من ميزانية الدولة رقما يعبر عن وعى الجماعة السياسية الرسمية، بواقع التعليم ومشكلاته وهمومه وهو أمر يجب أن يكون محل نظر ودراسة إنقاذا للبلاد مما هى فيه.

الجريدة الرسمية