رئيس التحرير
عصام كامل

صاحب المنصب.. وصاحب المال!

مخطئ من يظن أن سعادته في جمع المال أو الوصول لأعلى المناصب.. فكم من غني تعيس يعيش ليجمع المال ويحرسه ويقضى حياته قلقا وكمدا، وحين تأتي كلمة النهاية يتركه لورثة قد يضيعونه لأنهم ببساطة لم يتعبوا فيه، بل إنهم قد يتركونه لمصير أكثر تعاسة وشقاء حين تحين لحظة الحساب الحقيقي بين يدي الله مالك الملك، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..

 

أما صاحب المنصب فلا يقل شقاء ولا تعاسة عن صاحب المال إذا حاد عن طريق الحق، واستغل منصبه في التربح وتحقيق المصالح الخاصة للأهل والأقارب، ثم لا يكاد يغمض له جفن ترقبا للحظة آتية لا ريب يترك فيها منصبه أو يتركه هذا المنصب شاء أم أبي.. فأين إذن يجد المرء السعادة أو الحياة الحقيقية؟!


يحضرني هنا ما قاله مفكرنا الراحل العظيم الدكتور مصطفى محمود -رحمه الله- في كتابه الأحلام، بأن مقياس الحياة ليس النجاح؛ إنك قد تحصل على شهادة وتفوز بوظيفة كبيرة ولقب ونيشان وثروة وتتزوج وتنجب أولادًا وبنات.. ومع ذلك لا تكون قد عشت، لأن الحياة ليست تعيينات، لكنها انفعالات، وقد تعيش كل هذا العمر دون أن يهزك انفعال حاد ويفتح عينيك قلق مبهم وتصهرك لذة حامية.


إن أشرف ما فينا يعتقل في اللحظة التي نتحول فيها إلى ناس ناجحين عمليين أولاد سوق لأن مطامعنا الصغيرة الرخيصة تعتقل مطامعنا العالية الرفيعة؛ فمثلًا بحكم الوصول لابد لنا من المرونة والتكيف حتى لا نصطدم ونشتبك لابد لنا من المداهنة والمجاملة والتملق، لابد لنا من تجنب الصدق لأن الصدق يجرح، وتجنب الصراحة لأن الصراحة تصدم!

 
وتجد نفسك من أجل النجاح مضطرًا لأن تنافق الذين تكرههم لأن لهم فائدة، لابد أن نكتم في نفوسنا أشياء لأنه لا يحسن قولها.. لابد أن نتنازل عن حريتنا عن نفوسنا وفي الوقت الذي نظن فيه أننا ننجح ونحقق أحلامنا.. إذا بنا في الحقيقة نفقد هذه الأحلام ونفقد أنفسنا وفي مقابل ماذا، في مقابل نجاحنا المزعوم!

 
إن الناجح الحقيقي هو ذلك الذي يصرخ منذ ميلاده: جئت إلى العالم لأختلف معه، ولا يكف عن رفع يده في براءة الأطفال ليحطم بها كل ظلم وكل باطل!

 


انتهى كلام مفكرنا الكبير ويبقى السؤال: هل ما زلت تراهن على أن السعادة في المنصب أو المال أو الاولاد أو..أو..، إذا كنت تراها كذلك فأنصحك أن تعيد قراءة المقال.. وإلا فأنت في حاجة لمراجعة ضميرك ومسح الغشاوة التي على قلبك، وخذ عبرتك من غيرتك ولا تنتظر حتى تكون أنت عبرة لغيرك.. فالفطن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني!

الجريدة الرسمية