كلمة الحياة
نور في الظلمة
في عمق الليالي المظلمة، حين تجتاح العالم العواصف وتشتد الرياح، يظهر النور بأبهى صوره، ولكنه ليس نورًا عاديًا نعتاد عليه، لكنه يكون نور الأمل والإيمان، الذي يشرق من قلب المؤمن، وهذا النور الذي يضيء دروب الحياة، لا يمكن أن ينطفئ مهما اشتدت الظلمات حوله.
فأتذكر عندما حكى أحد الأباء أنه كان في زيارة لأحد الأشخاص وعندما وقف بجانب فراش الشخص المريض، الذي كان يواجه آخر أيامه في هذه الحياة، سأله الأب: "كيف حالك يا صديقي؟" أجابه المريض بابتسامة هادئة: "أنا بخير، لأنني أملك المسيح في قلبي." وأشار إلى الكتاب المقدس الذي كان بجانبه وقال: "هذا الكتاب هو كنزي، والمسيح هو نوري."
هذا الإيمان الراسخ كان هو النور الذي أنار درب هذا الشخص في ظلمات مرضه، بل ولم يكن المرض قادرًا على نزع سعادته، لأن سعادته كانت متجذرة في الإيمان والمحبة التي أُفيضت في قلبه بفعل النعمة الإلهية وروح الرب الذي لا يترك مؤمنيه، وكما يقول الرسول بولس: "بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا." (رومية 5: 3-5).
ففي لحظات الألم والضعف، يظهر الإيمان بأبهى صوره، ففي حضرتهم يظهر الإيمان الحقيقي للإنسان، فهذا الشخص وهو في آخر أيام حياته، ورغم آلامه الشديدة، لم يتخل عن محبته للمسيح، ولم يتذمر أو يقول أن المسيح قد تركه وسط دروب آلامه يسير فيها بمفرده، بل على العكس، كان يرى في كل ألم فرصة ليقترب أكثر من ربه، الذي أحبه حتى النهاية، وكان يجد في كل نبضة ألم نبضة حياة جديدة، مشحونة بمحبة الله التي لا تنتهي، ومكافأت الله للذي يصبر للمنتهى فيخلص.
بل وكان العالم بالنسبة له معملًا يتم تحضيره فيه للأبدية، حيث تُختبر فيه المحبة في أنقى صورها والتي كانت ظاهرة عليه وواضحة في حبه للمسيح حتى في لحظاته الصعبة والآخيرة، ولم تكن الدنيا بكل متاعها أو آلامها تستطيع أن تغير شيئًا من هذا الحب العميق الذي يربطه بالمسيح، بل كان يرى في كل لحظة فرصة ليعيش الإيمان بكل قوة.
وإنها رسالة لكل منا، فهي فرصة أن نرى في الضيقات فرصة للنمو في الإيمان، وأن نجد في الألم درسًا في المحبة، وفي الظلام ضوءًا ينير دروبنا، كما قال المسيح: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلَنْ يَمْشِيَ فِي الظُّلْمَةِ بَلْ سَيَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ" (يوحنا 8: 12).
فلنحيا بهذا النور، ولنفتخر في ضيقاتنا، عالمين أن محبة الله قد أُفيضت في قلوبنا، وأننا لسنا وحدنا في هذه الرحلة، فالرب يسير دومًا معنا، وهو من يُنير لنا الطريق، ويمنحنا القوة لنتجاوز كل محنة بإيمان وثقة حتى نجتازها في النهاية ونصل لبر الأمان.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih