ألا فتعرضوا لها
شهر ذي الحجة هو واحد من الأشهر الحرم وهو شهر كريم مبارك فيه العشر الأولى التي أقسم الله تعالى بها في القرآن الكريم، حيث يقول عز وجل "وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ". تلك الأيام والليالي التي يُلبي فيها حجيج بيت الله الحرام. والتي تُقام فيها شعائر ومناسك الحج ذلك الركن العظيم من أركان الإسلام.
ولا شك أنها أيام طيبة مباركة يضاعف الله تعالى فيها الأجر والفضل والثواب ويتجلى سبحانه وتعالى فيها بالرحمات والعفو والمغفرة. وقد جاء في هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات، أي رحمات وتجليات. ألا فتعرضوا لها".
ومن المعلوم أن لله تعالى اصطفاءات من الليالي تكمن في عظيم فضل الله تعالى ورحمته التي يتجلى بها فيهن بالرحمات والمغفرة والعفو والفيوضات على عباده المقبلين عليه عز وجل، والمشتغلين بطاعته وذكره والمجتهدين في أعمال البر والمعروف والإحسان..
هذا ومن سر هذه الليالي المباركة وجود خير أيام الدنيا وهو يوم عرفة، ذلك اليوم المشهود الذي يجتمع فيه الملايين من المسلمين من شتى بقاع الأرض مكبرين وملبين ومهللين وذاكرين ربهم عز وجل، بعدما طرحوا الدنيا بكل ما فيها من وراء ظهورهم، وأقبلوا عليه سبحانه وتعالى بقلوب خلت مما سواه..
خلت من الدنيا وزينتها ومن المال والأهل والولد معلنين محبتهم وولائهم لله تعالى، وفي هذا اليوم المشهود يقابلهم ربهم ومولاهم بالعفو والمغفرة والرحمة، وفوق ذلك يباهي بهم ملائكته بقوله تعالى لهم: انظروا يا ملائكتي إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا يرجون رحمتي ومغفرتي ورضواني. إشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت لهم ورحمتهم..
هذا ولا شك أن في هذه الأيام المباركة الكريمة الفرصة الطيبة السانحة للرجوع إلى الله تعالى والصلح معه ويأتي ذلك بالإقرار والإعتذار له تعالى، الإقرار بعظيم فضله ونعمه وصبره علينا وذلك بعدم تعجيله لنا بالعقوبة وإمهاله لنا وإعطائنا كل الفرص للتوبة والرجوع إليه..
والإقرار أيضا بالإساءة والتقصير والندم على ذلك والاعتذار له سبحانه عن ذلك، هذا والتعجيل بالتوبة واجب خاصة أننا لا ندري متى ينتهي الأجل، ومن تغلق صحائف الأعمال، الآجال مقدرة لكنها غير معلومة لنا والموت يأتي بغتة أي على غفلة وهو غير مربوط أو مرتهن بشيء، لا بصحة ولا مرض ولا بشباب ولا كِبَر..
هذا وعلى العاقل أن يغتنم هذه المواقيت الطيبة ولا يضيعها وليجعل منها بداية التقرب من الله ربه ومولاه جل علاه، ولا يفوتنا أن صيام هذه الأيام له فضل وأجر عظيم، ولا يفوتنا أيضا أن إطعام الطعام وكسوة العريان وجبر الخاطر من أحب الأعمال إلى الله ومن أفضل الأعمال لصاحبها، خاصة في هذه الأيام التي يٌعاني فيها الفقراء والمساكين..
وفي الحديث يقول نبي الرحمة ورسول الإنسانية: “ثلاثة يخاطبهم الله عز وجل يوم القيامة على منابر من نور. مشبع الجوعان ومكسي العريان ومغيث الملهوف”. “وفي رواية ودليل المحتاج”.