مفهوم التلبية عند العارفين بالله
منذ قرابة الخمسين سنة كنت في مجلس شيخي وأستاذي العارف بالله تعالى سيدنا الشيخ البيه رضوان الله عليه في مثل هذه الأيام المباركة في أيام الحج والتلبية، وسألته عن التلبية بمعناها الواسع المطلق، وهل هي مرتبطة بزمن وميقات معين وهو عند الإقبال على حج بيت الله تعالى الحرام أثناء أداء مناسك وشعائر الحج؟
فأجابني قائلا: التلبية تأتي على أثر دعوة من داعي والداعي هو الله عز وجل، ومعنى التلبية الإستجابة لدعوة الداعي، وتلبية ندائه ودعوته، والتلبية على حالين، حال عامة أهل الإيمان الذين قدر الله تعالى لهم حج بيته، تلبية تبدأ من بعد إرتداء ملابس الإحرام وصلاة ركعتين بنية الإحرام وتظل تلبيتهم عند كل شعيرة ومنسك حتى النزول من عرفات هذا بالنسبة لعامة أهل الإيمان، وهم الغالبية العظمى من المؤمنين.
أما بالنسبة لخاصة أهل الإيمان، وهم أهل محبة الله تعالى وولايته، فتلبيتهم لله عز وجل لا تنقطع فهي دائمة في كل الأوقات والأحوال وغير قاصرة على مناسك وشعائر الحج، هنا سألته: شيخي ما الفرق بين عامة أهل الإيمان وخاصة أهل الإيمان؟
قال: عامة أهل الإيمان هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه، ولكنهم قصروا في طاعة الله تعالى ورسوله وهم أهل خلط.. بمعنى أن خلطوا ما بين أعمال الطاعة وأعمال المعصية، وما بين الذكر والغفلة، ولم يكن حالهم مع الله تعالى صافيا كما يجب وهم الذين لم يتحققوا بإيمانهم، بمعنى أنهم لم يرتقوا من إيمان الإعتقاد إلى إيمان الشهود..
خاصة أهل الإيمان
وهنا قلت عفوا سيدي، كثيرا ما تشير حضرتك إلى أن هناك عامة أهل الإيمان وهناك خاصة أهل الإيمان، فمن هم وما السبيل إلى أن نكون منهم؟ فقال: نعم، خاصة أهل الإيمان هم عباد الله الصالحين، أهل الالتزام والاستقامة وأهل التقوى والإخلاص وأهل الحب والخشية وأهل الصدق والأدب مع الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهم الذين يذكرون الله تعالى قياما وقعودا وعلى جنوبهم. وهم أهل التفكر والنظر والتأمل والإمعان في آيات الله تعالى، وأهل الشهود لطلاقة قدرة الله تعالى وعظيم إبداعه، وهم الذين استنارت عقولهم وقلوبهم وتزكت أنفسهم وطهرت قلوبهم من العلائق والأغيار، وسمت أرواحهم عن العالم المادي واتصلت ببارئها سبحانه وتعالى..
وهم الذين تنزهت أنفسهم عن التطلع إلى الأجر والثواب وإلى الجنة في الآخرة، وهم الذين عبدوا الله تعالى بخالص من السر فشرفهم سبحانه بخالص من الشكر وهم موضع نظر الله تعالى ورضاه ورضوانه، وهم أهل روح وريحان وجنة نعيم، وهم الذين سبقت لهم من الله تعالى الحسنى وهم أهل الحسنى وزيادة. هذا وللحديث بقية..