رئيس التحرير
عصام كامل

متى تختفى الواسطة والمحسوبية والتوريث من حياتنا!

بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: لم يسمع حتى قضى حديثه، قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله. وفي رواية له: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.

 

ومن يمعن النظر في أحوالنا يجد عجبًا، فأستاذ الجامعة يريد بل ويسعى ليكون ابنه مثله أستاذًا جامعيًا، والقاضى يريد إبنه قاضيًا، ومن يعمل في شركة بترول أو اتصالات أو قطاع البنوك يبذل غايته ليجد لإبنه فرصة في نفس مجال عمله؛ حتى صارت الواسطة والمحسوبية شيئًا لا ينكره المجتمع ولا يجد فيه شيئًا مشينًا.. 

Advertisements

 

والنتيجة ضعف الأداء؛ فليس كل أستاذ جامعى أو قاضٍ أو طبيب أو إعلامي يصلح إبنه لنفس العمل؛ فالبشر يتفاوتون في القدرات.. وما تصلح له أنت فقد لا يصلح له إبنك.. يصدق هذا على كل مجال علا أو دنا.

العدالة والمساواة


عافية المجتمع تتطلب أن يتصدى للعمل من يملك مقومات نجاحه؛ وأن تتاح الفرصة للجميع بشفافية وعدالة، ليتحقق مبدأ تكافؤ الفرص على قدم المساواة وعلى أرضية المواطنة التي لا ترى فرقًا بين إبن الوزير وإبن الغفير؛ الفيصل هو القدرة على العطاء وحسن الأداء والجدارة.. هكذا تتقدم الدول.

 

فقد تجد رئيسًا لوزراء إنجلترا أو رئيسًا لأمريكا من جذور هندية أو أفريقية ذا بشرة سمراء؛ فالمعيار هنا للجدارة والكفاءة والقدرة على إدارة هذا المنصب أو ذاك، وهو سر  النجاح هناك؛ فلم نسمع يومًا في تلك الدول عن مصطلح "غير لائق اجتماعيًا"، عند الرغبة في التقدم لإحدى وظائف السلك الدبلوماسي.. 

كما حدث مثلًا منذ سنوات مع الباحث عبد الحميد شتا خريج الاقتصاد والعلوم السياسية الذى جرى رفض قبوله بتعيينات وزارة الخارجية رغم تفوقه وتميزه العلمي بزعم كونه غير لائق اجتماعيا.. ولا أدرى هل تغير الوضع أم لا تزال المعايير الحاكمة للتعيين بالخارجية والقضاء والشرطة وغيرها من الوظائف هي هي؟!


تكريس حالة الأمل في المجتمع تستلزم تعزيز مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في كل شيء، وسيادة القانون وشطب مصطلح الواسطة من قاموسنا حتى يطمئن المواطن على مستقبله ومستقبل أولاده، وحتى نضمن ضخ دماء جديدة وعفية في كل المواقع والمناصب بدءًا من وظائف عامل نظافة وحتى مناصب القضاء والسلك الدبلوماسي وغيرها من الوظائف المهمة، حتى لا تجد شخصًا لا يحسن مسألة قريبة من أنفه ومع ذلك فهو يتصدر الصفوف ويتولى مركزا قياديًا مترئسًا من هو أكفأ منه!

 


في دول الخارج.. نجد المنصب لمن يستحقه فقط.. الكفاءة والخبرة أولا.. لذلك ليس غريبا أن نجد مهندسا أو طبيبا أو اقتصاديا.. أو..  أو..  في أعلى المناصب.. زمان كنا  نجد ابن فلاح أو رجل بسيط قاضيا أو دبلوماسيا أو غيره من المهن.. أما الآن فقد تغيرت طريقة وأسلوب الاختيار.. فأين العدالة والمساواة؟!

الجريدة الرسمية