أول معلم في حياتي
رغم ما يعيشه عالمنا من كوارث وحروب وجرائم إبادة ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق أشقائنا في غزة، التي خذلها القريب والبعيد وتداعت عليها قوى الشر والعدوان والإمبريالية من كل صوب وحدب، فإن الأمل في عالم أكثر أمانا وإنسانية لا يزال يراود أحلامنا في العام الجديد الذي نتضرع إلى الله ليكون خيرًا من سابقه رغم بدايته التي لا تسر..
فأزمة غزة لا تزال تتفاقم دون بوادر أمل للحل العادل ولا تجد إسرائيل من يردعها فتمادت في عربدتها وإجرامها.. كما ابتدأ العام بزيادة في أسعار الخدمات والسلع.
كل تلك العوامل وغيرها لم تمنع الشعوب أن تحلم بعالم أكثر أمنًا وعدلا وإنسانية وندعو الله أن يكون عامنا هذا خيرًا مما مضى من عمرنا، وأن يكون عامًا فيه يُغاث الناس، وتغسل فيه الهموم ونودع الأحزان التي تلازمنا في كل لحظة تسفك فيها دماء أبرياء في فلسطين، التي لا يزال المجتمع الدولى يتفرج على ما تقترفه آلة القتل الإسرائيلية من جرائم إبادة يشاهدها الناس على الشاشات وكأنها خيال علمي فيحزن من يحزن ويتألم من يتألم..
وتمضى الأحداث حتى اعتدنا عليها وكلما تفاقمت المأساة في غزة من حصار وتجويع وقتل وترويع تفقد الإنسانية براءتها وضميرها أمام عجزها عن وقف حمامات الدم، وتتحول شيئًا فشيئًا إلى عالم متبلد المشاعر ينتظر معجزة تعيد له الشعور بالأمن وشيئًا مما فقد من إنسانيته.. وندعو الله أن ينعم الله على البشرية بلطف ورحمة من عنده توقف الحروب وتمنع الدمار وتردع الطغاة الجبابرة سفاكي الدماء، الذين لا يبالون بقتل الأبرياء وتحويل حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
ذكريات الطفولة
ورغم صخب هذا العالم وصعوبة أيامنا فإن شريط ذكريات العمر يتدفق ليستعيد مشاهد وذكريات من العمر الجميل الذي يتسارع ليقطع محطة تلو الأخرى وصولًا إلى نهاية ندعو الله أن تكون حسنة، ترضيه وتجعلنا في رحمته ورضوانه.
لكن المدهش حقًا ورغم انقضاء عشرات السنين فلا تزال ذكريات الطفولة حيةً في ذاكرتى، لا أكاد أنسى تفاصيلها منذ التحقت بكتَّاب القرية في بلدتى بيشة قايد بمحافظة الشرقية، لأتعلم أول حروف الأبجدية على لوح نكتب عليه بأقلام بوص ومدواة حبر تأهلت بفضلهما لحفظ سور وأجزاء عديدة من القرآن الكريم، أنارت عقلي وفتحت قلبي لنور العلم..
ومن الكُتّاب انتقلت للمدرسة الابتدائية التي تعهدني فيها بالرعاية والتعليم معلمٌ فاضلٌ وأبٌ كريمٌ من خيرة التربويين في زماننا، وهو المرحوم الأستاذ محمد العدلي الذي كان يدرِّس لنا كل المواد الدراسية وقتها.
وعلى يديه عرفتُ معنى التربية الحقيقية التي تحرص أولًا على غرس القيم الأخلاقية الرفيعة في النفوس، قبل المحتوى الدراسي، وهذا هو أهم الفوارق بين تعليم زمان وتعليم اليوم الذي لا يجد المعلمون فيه وقتًا لغرس القيم والأخلاق في نفوس طلابهم لكثرة مطالب الحياة وصعوباتها..
كما كنا نتعلم في المدرسة فنون الموسيقى والتربية الرياضية رغم ضآلة الفناء أو "الحوش".. لكنها كانت أساسيات لا يجوز التفريط فيها أو التهوين من شأنها إيمانًا بدورها في تقوية البدن وتهذيب الوجدان.. ترى لماذا التصقت ذكريات الطفولة بذاكرتي ووجداني.. وهل يوجد في زماننا هذا معلمون بكفاءة ونزاهة واجتهاد أستاذي محمد العدلى؟! وللحديث بقية.