رئيس التحرير
عصام كامل

هل «شرف فتح الباب».. شريف؟

نتناول اليوم نقدًا موضوعيًا للمسلسل التليفزيوني «شرف فتح الباب»، ونلقي من خلاله الضوء على بعض نقاط الضعف في الجهاز الإداري بالدولة، فلدينا في كافة المؤسسات الحكومية بعض الأسماء على غيرِ مسمى، فنجد من يُدعى «شريف» وهو لص ومرتشي، أو «أبو الوفا» وهو لا يتنفس إلا غدرًا وخِسة وخيانة.

 

في أول إطلالة من المسلسل يتألق الفنان «يحيى الفخرانى» بذلك الوجه البشوش، وهو يتنقل بين أدوار سكنه بمَرسَى مطروح لتوزيع المياه الغازية على جيرانه، وتتجلى ملامح شخصيته وهو مستمر فى التوزيع فى عمله أيضا، كلُ ذلك ابتهاجًا بابنته «نَدى» ذات الملامح الهادئة التي حصلت على ٩٨% في الثانوية العامة وهو المجموع الذى يؤهلها لكلية الطب التي تتمناها.

 

اقرأ أيضا : الهروب من النيابة الإدارية لمصلحة الفساد!

 

أما القسم الثاني من الحلقة فيستعرض مَلء «شرف فتح الباب» استمارة الرغبات، وكله ثقة بتحقق أمنيات ابنته، وعلى الجانب الآخر زوجته الطيبة التي تُحركها العاطفة، فلا تعبأ بالكلية قدر اهتمامها أن تكون في الإسكندرية، أقرب مكان لإقامة العائلة، وخاتمة الحلقة هي الحزن الشديد لأن التنسيق حَدَدَ لـ«نَدى» كلية صيدلة المنصورة، فلا الفتاة وأبوها حققا ما يريدان ولا الأم وجدت ضالتها.

 

ولعل الحلقة الأولى تشير إلى صراع الإنسان مع القدر والاختبارات التي يمُرُ بها، وينجح «شرف فتح الباب» وأسرته في الاختبار الأول، وهو قبول الواقع، ولكن هل كان لديهم اختيارٌ آخر؟ وهل كان هذا قبولا للواقع، أم أن شرف كان مغلوبا على أمره.

 

اقرأ أيضا: النائب العام «فارس العدالة» يُتوج «الأميرة»

 

وتبدأ الحلقة الثانية بفاجعة كبيرة لـ«شرف فتح الباب» حين يكتشف خصخصة الشركة التي يعمل بها وأنه على وشك الإحالة للمعاش المبكر فيتظلم لرئيس القطاع (عيسوى بك) الذي يرفض تمامًا إحالة تظلمه لرئاسة الشركة لأنه ذكر أنه أمين توريدات ومخازن «شَريف» ومُحترم، وأفنى عمره فى العمل الجاد، وأنه ليس كغيره ممن حصلوا على الملايين وبنوا العمارات تربحًا من وظائفهم، واعتبر (عيسوى بك) ذلك اتهامًا بدون دليل، وأن ذلك معناه وجود فساد بالشركة.

 

12 عقوبة تأديبية تنتظر الموظف المنحرف

 

وعندما احتدم الخلاف تدخلت مديحة المحققة بالشركة وأقنعت «شرف فتح الباب» بالعدول عن التنويه عن الفساد والتربح.. والغريب أنها اتفقت معه على صحة ما كتبه ولكن لعدم وجود المستندات فمن الأفضل ألا يخسر (عيسوى بك) الذي يوافق على سفره إلى القاهرة لمقابلة رئيس مجلس الإدارة، وما يلفت النظر في هذا الجزء من الحلقة هو شخصية (عيسوى بك) التي نراها في أماكن عديدة، لا يريد أي مشاكل تصل إلى الرئاسة حتى ولو كانت الشركة في طريقها للبيع أو حتى الانهيار، والتأكيد على أن كله تمام.

 

ولا بد لكل مسئول مثل (العيسوي بك) أن يختار من يكون رهن إشارته، مثل مدير الشئون القانونية للشركة والذي حاول أن يقدم خدماته بكتابة مذكرة ضد «شرف فتح الباب» والتحقيق معه للحفاظ على هيبة الشركة، ولكن (العيسوى بك) الرجل الطيب يتسامح فى حقه ويراعي ظروف الأستاذ شرف، أوهكذا يحاول أن يُصوِر نفسه.

 

اقرأ أيضا: مفهوم حرية الرأي والتعبير في المقالات الصحفية

 

بدأت الحلقة الثانية بخصخصة الشركة وانتهت بفاجعة أكبر، فقد استدعاه (العيسوى بك) إلى الفيلا الفخمة التي يقيم بها وعرض عليه رشوة ٢ مليون جنيه مقابل التوقيع على مستخلصات قيمتها ١٠ ملايين جنيه، ولم ينتهِ العرض عند هذا الحد؛ ويشرح (العيسوى بك) الذي أدى دوره الفنان أحمد خليل على «شرف فتح الباب» الرشوة كيف أنه سيبلغ ضده الشرطة ويتحمل «شرف فتح الباب» إجراءات المحاكمة التي لن تزيد على سنة أو إثنين في السجن ثم يخرج ليعيش سعيدًا مع أسرته وقد أمَّن لهم مستقبلهم.

 

اقرأ أيضا: هل تمر مأساة الأمطار مرور الكرام؟

 

وتنتهي الحلقة بمشهد "الصدمة" في وجه الجريح «شرف فتح الباب»، ولعل القارئ يستعرض بين من مروا في حياته أكثر من (العيسوى بك) وأكثر من «شرف فتح الباب» وأغلب شخصيات المسلسل، وبعد أن تألق الفنان أحمد خليل فى تجسيد شخصية (العيسوي بك) في عرض الرشوة انطلق «شرف فتح الباب» مغادرًا الفيلا وعينيه يتطاير منها الشرر وعلى مسمع من (العيسوي بك)، وبدأ يسُبه بما يستحق حتى وصل منزله.

 

وأخبر زوجته الطيبة التى شجعته على رفض الحرام، واتجه بعد ذلك لصلاة الفجر ليسمع الإمام يدعو قائلا "اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك"، وهو ما يعكس تماسكه حتى هذه اللحظة أمام الضغوط والإغراءات.

 

اقرأ أيضا : حكاية تأديب رئيس هيئة قضائية (1) 

 

ثم يأتي مشهد درامي رائع حين يقف «شرف فتح الباب» أمام بائع الطعمية ليرى صورته في زيت القلي ثم يتلوث الزيت بعد رفع الطعمية فيصبح قاتمًا وتتلاشى صورته، وهو مشهد يمهد لبداية إنهيار محتمل لذلك الرجل الطيب، ثم يبدأ في النظر إلى عرض (العيسوي بك) على أنه مقابل ما سيلقاه في السجن، وأنه يبيع عمره بالمال ليوفر لأولاده حياة كريمة، ويقبل العرض.

 

تبدأ الحلقة الثالثة بمشهد يختزل الأحداث فنجد «شرف فتح الباب» في منزله يعد مبلغ الرشوة بسعادة غامرة، ويبدأ الجانب الشرير في شخصيته تولي زمام الأمور، فيتفتق ذهنه الإجرامي عن فكرة للحفاظ على الرشوة لحين خروجه من السجن الذي توقع أن يستمر عامين على الأكثر، فيتجه الى «سيد خردة» ويطلب منه صنع خزان بداخل خزان، بزعم تأثر المياه بالحرارة، ليضع الخزان في منزله الذي انتقلت الأسرة إليه.

 

اقرأ أيضا: حكاية تأديب رئيس هيئة قضائية (2)

 

وعقب تنفيذ الفكرة يحاول أن ينام فلا يستطيع، ويشعر بأعراض الحُمى الى أن يوقظه ابنه الأصغر ليبلغه أن (العيسوى بك) يطلبه بعد أن شكل لجنة كشفت عجزًا يبلغ عشرة ملايين جنيه، كل ذلك في أداء رائع من الدراما المؤثرة، ويتوجه «شرف فتح الباب» لمكتب (العيسوى بك) ويخبره أنه يرغب في إعادة الرشوة وإلغاء الإتفاق، فيكون الرد الصادم: في الحالتين هتتسجن، تتسجن ببلاش ولا بفلوس؟

 

ثم ينتقل المشهد في حوار هادئ يملؤه الألم والحسرة بين «شرف فتح الباب» و المحققة مديحة التي كانت تُعد لحفل تكريمه بمناسبة إحالته للمعاش بوصفه الموظف المثالي، وكان ذلك بتأييد (العيسوى بك)، فينقلب الحال إلى اتهامه بالاختلاس، والتي بدأت في استجوابه وعقلها يرفض تصديق ما يحدث، وهنا نجد ذلك الدور المتكرر لبعض العاملين بالجهات الحكومية.

 

اقرأ أيضا: حكاية تأديب رئيس هيئة قضائية (3)

 

وتبرز مرة أخرى الناحية الإنسانية فى إجابات «شرف فتح الباب» حين يقول إنه يقبل أن يضيع مستقبله، ولكن لن يسمح أن يضيع مستقبل أولاده، ومن هنا يبدأ الصراع النفسي للمشاهد بين تقدير مشاعر «شرف فتح الباب» والضغوط التي تعرض لها بمناسبة خصخصة الشركة وإحالته للمعاش المبكر وبين العمل الإجرامي الذي أقدم عليه، بينما ينسى الجميع التفكير في (العيسوي بك) الذي ترَّبَح من عمله دون أن يشعر به أحد، وهذا هو سبب تكرار أحداث المسلسل في الواقع بأبطال مختلفين، ولكنهم في الحقيقة ليسوا أبطالًا، بل جبناء ينهشون في لحم الوطن، فيا ليت الجهات الرقابية تُحكم قبضتها عليهم.. وللحديث بقية..

الجريدة الرسمية