الهروب من النيابة الإدارية لمصلحة الفساد!
هيئة النيابة الإدارية لا تتولى التأديب وإنما تتركه للسلطة الرئاسية أو للمحاكم التأديبية بمجلس الدولة أو لمجالس التأديب وتختص النيابة الإدارية بالتحقيق وإظهار الحقائق وتحديد المسئوليات، ومن ثم فإن محاولة الهرب من إحالة التحقيقات إليها بدعوى استقلال الجهات فى التأديب هو ضرب من ضروب العبث وطمس الحقائق ومحاولة للتغطية على الأخطاء وعدم الحرص على المال العام مما يدعونا إلى المطالبة بتعديل تشريعى لقانون النيابة الإدارية يجيز لها التصدى لأى جريمة تأديبية؛ إظهارًا للحقيقة؛ وحرصًا على المال العام.
تخصصت النيابة الإدارية على مدى 40 عامًا فى التحقيق التأديبى وهو تحقيق دقيق يغوص فى أعماق العمل الإدارى والمالى الذى يتولاه الموظف العام لتحديد المسئوليات التأديبية والدقة مرجعها إلى أن المخالفة التأديبية ليست واردة على سبيل الحصر.
بلغت الأمور حدًا خطيرًا يجب التبنيه إليه، إذ أن الهروب من إسناد التحقيقات إلى النيابة الإدارية - أعقبه إنشاء مجالس تأديب للعاملين فى بعض الجهات الحكومية حيث لا يمثل أمام هذه المجالس ممثلاً للاتهام ومن ثم يعرض على مجلس التأديب تحقيقاً مبتسرًا دون أن يسمع وتسمع أمام المجلس أقوال المتهم ودفاعه دون أن يسمع المجلس أى ممثل للاتهام فتضيع المصلحة العامة وكثير من هذه المجالس ينتهى حكمها بالبراءة؛ حرصًا من أعضائها على تبرئة ساحة الجهة التى يعملون بها.
التهاون فى توقيع الجزاءات التأديبية الكفيلة بحماية المال العام، ونؤكد فى هذا الصدد أن الوظيفة العامة أصبحت تكية يأخذ منها الموظف حقوقه دون أن يؤدى مسئولياته ونعتقد دائمًا أن التأديب هو صمام الأمان الأول وخط الدفاع الرئيس فى حماية المال العام قبل أن يتمادى المتهم فى غيه ويصل إلى حد العدوان على المال العام لأن إفلات المذنب من العقاب يترتب عليه استشراء الفوضى والتسيب بالمرافق العامة ومن ثم فإن الصالح العام يقتضى تولى النيابة الإدارية بوصفها هيئة قضائية مستقلة عن جميع الجهات التى حدثت بداخلها المخالفات وبما لها من صلاحيات وضمانات التحقيق مع جميع العاملين بالجهات الإدارية التى تخضع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات؛ حفاظًا على المال العام وللقضاء على الفساد المنتشر والمتفشى بالأجهزة الحكومية.
وأخيرًا فقد مضى على إنشاء النيابة الإدارية 59 سنة تقريبًا تعرضت خلالها أغلب نصوص قانونها للإلغاء أو التعديل أو الإضافة - كما ضمت قوانين أخرى خلاف قانون النيابة الإدارية نصوصًا تنظم شئونها - هروبًا من النيابة الإدارية- حيث أصبح قانون النيابة الإدارية يحتوى على نصوص متناثرة لا رابط بينها ومن ثم فقد آن الأوان لاستصدار تشريع جديد بعد دستور 2012 يلافى أوجه القصور بقانونها الحالى لتحقيق العدالة المنشودة.. وللحديث بقية.