حكاية تأديب رئيس هيئة قضائية (1)
ويسألونك عن المخالفات في هيئة قضائية شامخة، قل سأتلو عليكم منه ذكرًا، فلن يتسع المقام إلا للإيجاز، وقبل سرد مآسي الفساد أسترعي انتباه القارئ إلى إدراك منظومة الفساد السرطانية التي تتوغل في جسد كيانات الدولة لتنهشه دون رحمة، وإليكم أحد النماذج..
ليت الكارثة كانت في مخالفات شخص يشغل منصبًا مرموقًا ورفيعًا، فحسب وهو المستشار "تيمور فوزي مصطفى كامل"، رئيس هيئة قضائية أسبق، والذي تعددت مخالفاته الإدارية والمالية، ومن بينها تقاضي مبالغ مالية واستغلال ممتلكات جهة عمله دون وجه حق، ولكن الكارثة الحقيقية هي وجود خلايا سرطانية سهلت له ارتكاب جرائمه دون اكتشافها في الوقت المناسب، مما حال دون محاسبته عنها أو استرداد ما تقاضاه أو أهدره دون وجه حق.
وأولى كوارث المستشار "تيمور" والخلايا السرطانية هي فاجعة فقد ملف التحقيق معه ومذكرة تصرف قاضي التحقيق المستشار محسن مبروك، رئيس الاستئناف في البلاغ رقم 3497 لسنة 2011 بلاغات النائب العام وما ارتبط به من بلاغات أخرى، والذي انتهى فيها إلى ثبوت مخالفات المذكور وإحالته إلى مجلس التأديب المختص وفقًا للقانون، فكيف فُقد الملف بعد تحقيق نزيه من قاضٍ شريف حتى يفلت المخالف من العقاب التأديبي.
ومن أبسط مخالفات "تيمور" المالية استحواذه على ٥ سيارات في آن واحد جميعها ملك الهيئة التي كان رئيسًا لها، إحداها بى إم دبليو موديل ٢٠١١، ذات عام استخدامها وسيارتين بيجو إحداها موديل ٤٠٥ والثانية ٤٠٧، ناهيك عن مصاريف الإصلاح الخيالية لهذه السيارات والتزوير في إثبات أن أحدها تستخدم بمعرفة أحد نواب رئيس الهيئة بالمخالفة للحقيقة، بالإضافة لعمل عمرة للسيارة البيجو ٤٠٧ بمبلغ ١٧٧٩٢ بوجب المستند رقم ٨٠٣ في ١٨ يونيو ٢٠١٠ ثم عمرة أخرى لذات السيارة بمبلغ ٩٥١٦ جنيها بالمستند رقم ٢٦٣٣ فى ٥ أغسطس من ذات العام، دع عنك أن ٥ أغسطس إجازة من كل عام فهذا دأب اللصوص أن تخونهم الأرقام وهم يزورون، ولكن هل من المنطقي عمل عمرة بعد شهرين من العمرة الأولى؟ أم أن التزوير والسرقة بلغا الحلقوم وليس الركب.
ومن توابع المهازل استيلاء المستشار المذكور على سيارات الهيئة وصرف بونات بنزين لها جميعا بآلاف الجنيهات، فهل كان يسير بالسيارات الخمس مجتمعة وعلى مدار اليوم؟!، ولمصلحة من صرف المبالغ التي كشف عنها فحص الجهاز المركزى للمحاسبات تحت بند "ما أمكن حصره" أي أن ما ثبت الاستيلاء عليه من بونات البنزين ليس كل ما تم الاستيلاء فعليًا عليه.
وكان الطبيعي سرعة تشكيل لجان لحصر المبالغ محل الاستيلاء خاصة بعد بلوغ "تيمور" سن المعاش ومن ثم إلزامه والمتسببين برد أموال الدولة، ولكن الخلايا السرطانية ضغطت على الإداريين لمنعهم حتى من الانسحاب من المناخ الفاسد وهو ما ثبت بالتحقيقات وتحريات الرقابة الإدارية، وليس غريبًا أن تستمر الخلايا السرطانية لتزين لكل مسئول ما يشتهيه وتسهل له رغباته الممنوعة، مقابل تركها دون حسيب أو رقيب، ويدفع الثمن أحيانًا بعض الموظفين البسطاء ويصرف زملاؤهم مكافآت مالية ومعنوية على المشاركة في منظومة الفساد.
وأخيرًا وليس آخرًا فإن الجرائم المشار إليها مؤثمة بمواد الباب الرابع من قانون العقوبات فضلا عن التزوير وجميعها لا تسقط بالتقادم إلا في ٢٠٢١، والآلاف المهدرة عام ٢٠١١ تعادل مئات الآلاف في وقتنا الحالي، وما زلنا نناشد الجهات الرقابية وعلى رأسها فرسان الرقابة الإدارية للضرب بيد من حديد على خلايا الفساد السرطانية لمنع حدوث جرائم مشابهة مستقبلًا، وليكون السابقون عبرة للاحقين.. وللحديث بقية.