هل تمر مأساة الأمطار مرور الكرام؟
قبل أن تجف ثياب العائدين من مأساة الأمطار بعد صراع مع المياه خرج علينا صنفان من الناس، الأول من تلك الفئة التي ترعرعت على الكلأ الملوث فلا يعبأ بشيء ويبحث عن كرسيه ووظيفته وتحت إبطيه حقيبة المبررات.
والصنف الثاني يُوهم من حوله بأن هذا ما يحدث في أوروبا وأمريكا، وعلينا أن نتحمل لأن أرض الكنانة محفوظة لن ينال منها حادث مفاجئ، وبينهما يقف المخلص الواعي وقلبه ينفطر والدموع محبوسة في عينيه حتى لا تزداد مياه الأمطار إرتفاعًا، ويضيق صدره ولا ينطلق لسانه.
وأول من يجب تبرئته فيما حدث هو رئيس هيئة الصرف الصحي بالقاهرة، فقد كان الرجل صريحًا منذ توليه منصبه، وأعلن عن الاحتياجات الفعلية للشبكة وأنه جار تدبير التمويل، ومن بين ما قاله في أغسطس من العام الماضي أن تكلفة أحد المشروعات في حلوان ٦ مليارات جنيه، وقِس على ذلك باقي المشروعات التي لم تتم.
وكمواطن مصري مخلص انقل ما قاله صديق محترم يشغل وظيفة مهمة ومرموقة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، مَا أَشِبْهُ الْيَوْمِ بِالْبَارِحَةِ، تدلل لنا الأيام بأحداثها وتكرار نوائبها على سوء البعض في إدارة شئون الدولة وتوجيه مواردها ؛ فها هو الأمس بأحداثه المائية الدامية يعيد إلى ذاكرتنا لَيْلَةٌ غرقت فيها القاهرة الجديدة بالمياه منذ ثلاث سنوات.
وقتها قام رئيس هيئة الرقابة الإدارية آنذاك الوزير "محمد عرفان" بالنزول هو ورجالاته إلى مواقع الأحداث ومعاينة ماتم من دمار وخراب وإتلاف للممتلكات العامة والخاصة، وأعلن عن البدء في التحقيقات لمساءلة كل من له علاقة من قريب أو بعيد في هذه المأساة حيث تعالت الأصوات تجاه إقالة "مصطفى مدبولي"، وزير الإسكان ومحاسبته وكافة المسئولين عن هذه المهزلة التي تمت في مدينة لم يمضي على إنشائها وبناء مرافقها قرابة الخمسة عشر عام، وبعدها صار "مدبولي" رئيسًا للوزراء وأغلقت الملفات وانتهت التحقيقات بنقل وتنحية بعض المسئولين من وعن أماكنهم.
وكان يتعين على رئيس الوزراء أن يبذل قصارى جهده في متابعة وزرائه ومسئوليه ومحافظيه في أدائهم لمهام عملهم عامة، وفي إصلاح البنية التحتية لمصر كلها، والتأكد من قوتها ومتانتها في مجابهة الأمطار وحتى الإعصار، إلا أن الأيام بكرتها تثبت لنا عكس ذلك وتسقط قاهرة المعز وطرقها وأنفاقها في غمرة الأمطار، ويمضي أطفال المدارس والمرضى والمسافرون وأصحاب الأعمال الساعات في الطرقات تحتجزهم مياه الأمطار.
والصديق على يقين من أن السيد الرئيس لن يمرر هذه الأحداث مرور الكرام وهو الّذي سبق وأن أعلن مرارًا وتكرارًا (أنه لا أحد فوق القانون وأنه ليس لأحد عليه في هذه الدولة فاتورة يجب سدادها)، وكما عودنا سيادته دومًا -ومنذ توليه سدة الحكم- من إِعْلَائِه لسيادة القانون ومحاسبة الفاسدين والمهملين والمقصرين فلن يكون هناك مسئول بمنأى عن العقاب والمحاسبة والإقالة من منصبه.
ونؤكد عبر هذا المقال أن أزمة الأمطار تكشف لأصحاب العقول عن كوارث غير ملموسة قادمة لن يشعر معها المواطن بالغضب ولن يحدث بسببها ما أثارته الأمطار من سخط، لأن تلك الكوارث تتسلل إلى جسد الوطن كالسم، فلا يشعر به إلا وهو يُسْلم الروح لبارئها، ونحن نرجو لوطننا الخلود.
ومن تلك الكوارث التعليم المتصدع والصحة التي تدنت خدماتها وغيرها من القطاعات الخدمية التي يجب على المخلصين أن يسارعوا لإنقاذها من تلك الكارثة، ولن يكون ذلك إلا بمتابعة حثيثة من الجهات الرقابية وتحت إرادة قوية من القيادة السياسية.. وللحديث بقية.