أذواق الأمم وأخلاقها؟!
كيف تقاس أذواق الأمم وأخلاقها؟! رأيي أن لغة الشارع وما يردده الناس وخصوصًا الشباب من ألفاظ وأغانٍ تعكس أخلاق أي مجتمع! فالفن مرآة تعكس حقيقة ما عليه الشعوب وما تؤمن به وما تتحلى به من قيم، ويمكنك التنبؤ بحالة أمة إذا ما عرفت ما يفضله شبابها ونشؤها من أغانٍ وفنون وهوايات ورغبات.. فتلك أدوات لا تخطيء سبيلها للتشخيص الدقيق لمستقبل أي أمة ومصيرها..
وحتمًا فإن الإنسانية سوف تتحسن أحوالها إذا ما أخذت الفن على محمل الجد، فهو الأكثر نفاذا لذاكرة الشعوب، والأكثر قدرة على بناء الذوق السليم وتهذيب الشعور واستنبات الحس الراقي والإحساس الصادق المتصالح مع نفسه ومع الحياة ذاتها.. فهل أدركنا خطورة الفن في حياة الشعوب؟!
الفن كغيره من أدوات الثقافة بمثابة جهاز مناعة وظيفته تحصين الوطن ضد كل ما هو دخيل أو معادٍ، وهو رسالة تنوير وصيحة تحذير ضد كل ما من شأنه الإضرار بوعي الناس أو الانحراف بهم عن الفضيلة والأصالة والوعي الصحيح بواجبات الوقت ومقتضيات المواطنة.. كما يدرأ عنهم كل محاولة لاستلابهم أو إفساد ذوقهم بأعمال هابطة غنائية كانت أو تمثيلية أو حتى توك شو.
إفساد الذوق العام جريمة مكتملة الأركان في حق الشعوب والأوطان؛ فهو إن حدث يخلق أجيالا قابلة لمعاداة وطنها وإسقاطه من داخله دون أن يطلق أعداؤه رصاصة واحدة.. وإذا لم يكن الفن هادفًا وقادرًا على تغيير واقع سيىء للأفضل فلا خير فيه بل لا يصح اعتباره فنًا من الأساس فهو سلاح مدمر يستهدف ضرب الدولة في أعز ما تملك؛ ثروتها البشرية التي هي أهم مقومات بقائها واستقرارها.
ولست أبالغ إذا قلت إن عبدالحليم حافظ انتهج الفن الملتزم، فكان إبداعه مساندًا للدولة يشد من أزر قيادتها في الشدائد والمفترقات الصعبة فكان لأغانيه تأثير لا يدانيه تأثير، وصنع ببضع كلمات بصوته ما عجزت عن صنعه مئات البرامج والمقالات والكتب.
الأمر الذي يجعلنا نقول: ليتك كنت بيننا اليوم يا حليم فنحن في أشد الحاجة لمثلك في ظروف وتحديات بالغة الصعوبة!
بساطة حليم وتلقائيته وعذوبة كلماته وروعة ألحانه سحرت الآذان وألهبت المشاعر، وأحيت الأحاسيس وصنعت مجدًا ليس لشخصه فقط بل للغناء المصري الذي صادف وقتها كوكبة من المبدعين تتصدرهم كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وأمير الطرب والتلحين فريد الأطرش وغيرهم من عمالقة الغناء في تلك الفترة الخصبة من تاريخ مصر.
حليم رحل تاركًا رصيدًا هائلًا من حب الجماهير، وعددًا قيمًا من الأغاني نحو 67 أغنية وطنية.. منها 10 أغنيات جسدت حالة حزن اعترت المصريين بعد نكسة يونيو 67.. ويحضرني ما قاله الراحل عبدالرحمن الأبنودي إنه بعد وقوع النكسة أقمنا في الإذاعة أنا وحليم والطويل ثلاثة أشهر متصلة، أنا أكتب الأغاني، والطويل يلحنها، وحليم يغنيها..
وكنا وقتها نشفق على الشعب من هول الصدمة؛ فجاءت الأغاني معبرة عن تلك الحالة وحاولنا رفع معنويات الشعب بأغانٍ مثل ابنك يقولك يا بطل، وأحلف بسماها وبترابها، التي ظل حليم يرددها حتى عادت سيناء مصرية..
وعدّى النهار وهي من أهم الأغاني التي عكست حالة حزن ألمت بحليم إثر النكسة، ولمَ لا، والعندليب كان يملك حسًا وطنيًا عاليًا، جعله مهمومًا بآمال أمته العربية كلها.. كما غنى العندليب المركبة عدّت بعد نصر أكتوبر وعودة القناة في احتفال مهيب أقيم على ضفافها..
ولا يزال حليم بعد كل هذه السنوات حاضرًا بقوة كقيمة ورمز في وجدان المصريين وجزءا من ذاكرتهم الوطنية.. ولا تزال الأوبرا تخصص لأغانيه حفلات سنوية يشدو بها كبار المطربين.. فشتان بين ما قدمه حليم وما يقدمه البعض في يومنا هذا من سخافات يدعون أنها غناء.
العندليب ورفاقه قدموا إسهامات فنية ووطنية كبرى كرست تماسك الجبهة الداخلية والتفاف الشعب خلف قيادته.. وبعد كل هذا العطاء والتفاني.. أليس حليم وأم كلثوم وعبدالوهاب وشادية وغيرهم من نجوم الزمن الجميل جديرين بهذا الحب الجارف حتى يومنا هذا؟!
عبد الحليم حافظ خلع عليه البعض لقب صوت الثورة التي بدأ معها مشواره الفني بأغنية العهد الجديد، ثم غنى إحنا الشعب، ثم صورة وبالأحضان، وأهلًا بالمعارك، وقلنا حنبنى وآدى احنا بنينا السد العالى، وناصر كلنا بنحبك، ودقت ساعة العمل..إلخ.
وكان لنصر أكتوبر تأثير مختلف ومذاق خاص، فقد حظي بحالة فريدة من الصدق الفني لأغنيات عديدة مثل باسم الله الله أكبر باسم الله للمجموعة، وأنا عالربابة باغني لوردة، ويا أول خطوة فوق أرضك يا سينا، والباقي هو الشعب لعفاف راضي، ولفي البلاد يا صبية، وقومي إليكِ السلام يا أرض أجدادي!، وصباح الخير يا سينا لحليم..
وهكذا ولدت الأغاني الوطنية من رحم الأحداث الكبرى وعايشتها وكرست لها وارتبطت بوجدان الناس وعاشت في ذاكرتهم وليس أدل على ذلك من أغنية اسلمي يا مصر التي عاشت لسنوات نشيدًا وطنيًا يجسد مشاعر الانتماء والولاء لمصر التي هي في خاطر أبنائها وفي دمهم، وطن يعيش فيهم ويعيشون به.. حماها الله وحفظها من كل سوء.
ورغم معاناة حليم مع المرض؛ إذ رحل عن عالمنا بعد صراع طويل مع مرض البلهارسيا الذى تسبب في إصابته بتليف الكبد الذى أودى بحياته، لكنه امتلك إرادة فولاذية تسامى بها فوق الألم، ولم يتوان لحظة عن مواصلة الإبداع ليسعد جمهوره الذي توحد معه وعشق صوته وأداءه وكتب له صفحة من الخلود في كتاب الزمان!
مات حليم بعد صراع طويل مع فيروس سي الذي اكتشف العلماء علاجا ناجحا له.. ولكنه يبقي في وجدان الناس بفنه وأغانيه التي أبدا أبدا لن تموت.. وخرجت الجماهير الغفيرة في جنازة مهيبة لتودعه.. يرحمه الله.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا