رئيس التحرير
عصام كامل

لا تعترف بالإنسانية!

يروى في تراثنا أن جابر مرَّ على عمر بلحم قد اشتراه بدرهم، فقال له عمر ما هذا؟ قال: اشتريته بدرهم، قال: كلما اشتهيت شيئا اشتريته؟ لا تكون من أهل هذه الآية:"أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا".. شتان بين ذلك وبين ما نراه من نهم استهلاكي في زماننا الذي يوصف بأنه زمن الحداثة الاستهلاكية التي أدخلت البشرية في مرحلة معقدة من تاريخها.. 

فالتقدم يتداخل مع الأزمات، والرفاهية مع الإستلاب.. فهل نعيد التفكير في مفهوم الاستهلاك، ونوازن بين حاجاتنا الحقيقية وما تفرضه علينا الدعاية والتسويق؟
 

العالم يشهد اليوم تحولًا جذريًا في أنماط العيش والاستهلاك، حيث باتت الحداثة الاستهلاكية تفرض إيقاعها على المجتمعات، مما أفرز ظواهر جديدة تمزج بين الوفرة الاقتصادية والتكنولوجيا من جهة، وبين الاستلاب والاغتراب من جهة أخرى.


الحداثة الاستهلاكية مرحلة متقدمة من الرأسمالية، تقوم على تعزيز النزعة الاستهلاكية لدى الأفراد، مدفوعة بالإعلانات والإنتاج الضخم وتطور وسائل الإعلام؛ وهي نتاج ثورة صناعية وتكنولوجية جعلت السوق محور الحياة اليومية، حيث لم يعد الاستهلاك مقصورًا على الحاجات الأساسية، بل امتد ليشمل السلع الرمزية والخدمات الرقمية والموضة والتكنولوجيا الحديثة.


خطورة الحداثة الاستهلاكية تكمن في أنها جعلت كل شيء قابلًا للبيع والشراء، بما في ذلك الأفكار والقيم والمشاعر؛ وهنا تتداخل التكنولوجيا مع الاستهلاك، حيث تعزز الإعلانات الموجهة ثقافة التملك الفوري.


ورغم وفرة المنتجات، فإن الأفراد يعانون من إحساس متزايد بالعزلة والضغط النفسي نتيجة اللهاث المستمر خلف كل جديد في كل مجال؛ في الأزياء والسيارات وأجهزة الموبايل، ناهيك عن الأطعمة والمشروبات بمختلف أنواعها. 


وللأسف باتت الهوية الاستهلاكية عنوانًا للأفراد في زماننا؛ إذ يُعرَّفون بما يملكون وليس بما هم عليه، مما أدى إلى فقدان الهويات التقليدية.


أما عن آثار الحداثة الاستهلاكية فحدث ولا حرج فقد جاء ازدهار الأسواق العالمية على حساب تفاقم الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتحولت العلاقات الاجتماعية إلى علاقات قائمة على المصالح المادية والترويج للثقافة الاستهلاكية كمعيار للنجاح ومن ثم زادت معدلات القلق والاكتئاب بسبب ضغط الاستهلاك والتطلعات غير الواقعية.


وعلى الرغم مما قدمته الحداثة الاستهلاكية للبشرية من رفاهية غير مسبوقة، فإنها أيضًا تعزز الاحتكارات الكبرى التي تتحكم في الأسواق وتفرض أنماطًا استهلاكية محددة، مما يحد من حرية الاختيار ويقيد إمكانيات الإبداع الفردي.


والسؤال: كيف يمكن مواجهة تحديات الحداثة الاستهلاكية؟! والجواب يمكن تحقق ذلك عبر تعزيز الاستهلاك الواعي، وتبني نمط حياة مستدام، والاهتمام بالقيم الثقافية والروحية بدلًا من قياس النجاح بالممتلكات المادية.

 


يقول مفكرنا الكبير عبد الوهاب المسيري: في زمن الحداثة الاستهلاكية، تحوّل الإنسان من كائن يحمل قيمًا ومعاني إلى ترس في آلة السوق. لم يعد يُعرَّف بذاته أو أخلاقه، بل بما يملك ويستهلك. العلاقات الإنسانية أصبحت مُعلَّبة، تحكمها المنفعة لا المودة، والنجاح يُقاس بالقدرة على التسويق لا بالإبداع أو الفضيلة.

وهكذا، بدلًا من أن يسخّر الإنسان الآلة لخدمته، وجد نفسه في خدمتها، سجينًا داخل منظومة لا تعترف بإنسانيته.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية