رئيس التحرير
عصام كامل

الأم! (2)

هل يدرك كثير من الأبناء في زماننا أن بر الوالدين وخصوصًا الأم، ليس مجرد واجب اجتماعي بل هو مفتاح للبركة في الحياة وسعادة في القلب؟! ما نراه اليوم من جحود كثير من الأبناء ربما يطرح سؤالًا مهمًا: هل الأبناء الذين لا يحسنون لوالديهم خصوصًا في سن كبيرة، هم، في الأصل، نتاج التربية الخاطئة؟!

 
قد يقول قائل إن من أحسن تربية ولده في الصغر سيجني بره عند الكبر.. لكن ارتباط الأمرين ليس مطردًا؛ ذلك أن الوالد قد يحسن تربية إبنه، لكنه يصير عاقا حين يكبر، وكذا قد يسيء الوالد تربية ولده، ثم يكبر الولد ويهديه الله تعالى، فيصير بارا بوالده.


الأم أول حاضنة وأول مربية وأول مرشدة للأبناء.. فإذا كانت جذور التربية مُرَّةً بتعبير أرسطو فإن ثمارها حلوة ليس للأسرة فحسب بل للمجتمع والأمة بأسرها.. 

 

ولا عجب والحال هكذا أن تكون للأم كل هذه المكانة؛ فقد تعبت في الحمل لقوله تعالى: "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ" ثم في الولادة: "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا"، ثم في الرضاعة: "حمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ" ثم في التربية والتنشئة وغرس القيم والأخلاق الفاضلة.. هكذا كانت الأم في الزمن الجميل.. 

كانت قدوة ومَدْرَسةً حتى قال فيها الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها   أعددت شعبًا طيب الأعراق


ما أصعب التربية في زمن السوشيال ميديا، وما أصعب ما يعانيه الآباء والأمهات من مرارة ومعاناة فى تربية جيل يكاد اغترب في الفضاء الإلكتروني الذي هو لغة عصرهم وهم أبناء زمانهم؛ الأمر الذي يضاعف صعوبات التربية الحقة لتخريج أجيال سوية قادرة على خوض غمار الحياة وتحدياتها وتحولاتها فائقة التطور التي ألقت ولا تزال بأعباء جسام على الوالدين ثم على المؤسسات المعنية بصناعة العقل والوجدان والأخلاق.


كان الله في عون أمهات اليوم الواعيات بدورهن الحقيقي فى غرس القيم الدينية والمجتمعية السوية، وتكريس التقاليد والأعراف القيمة لتهذيب سلوكيات وربما شطحات الأبناء، لينشأوا قادرين على مواجهة أعباء الحياة واختباراتها، متسلحين بوعي رشيد مستنير وحس إيماني عميق ويقين راسخ متين وهوية لا تقدر رياح الشائعات ولا صعوبات الحياة على هزها.


ما أقسى التربية الحقة في زماننا.. وما أروع ثمراتها إن كانت تقوم على الفضيلة وتستلهم سيرة العظماء والصالحين من أمتنا.
 

أمهات السوشيال ميديا في مهمة هي بحق معضلة حقيقية؛ فليس بوسعهن منع الأبناء من ارتياد الفضاء الإلكترونى.. كيف يفعلن ذلك وهن بالأساس لا يستطعن منع أنفسهن عن ارتياد آفاقه.. فإذا كان تيار السوشيال ميديًا جارفًا للوالدين إلا ما رحم ربي فكيف بحال الصغار؟!


أغلب أمهات اليوم جرفهن تيار الفضاء الإلكتروني وشغلهن عن تربية الأبناء فاكتفين بإطعامهن وكسوتهن وتشاغلن عن تربيتهن بالمعنى الأعمق للتربية؛ حتى خرجت أجيال تخجل حين تسمع لغتهم في الشارع وما ينطقونه من ألفاظ جارحة وخادشة للحياء تنبيء عن انحطاط وتردٍ أخلاقي خطير..

ولمَ لا وقد تركوا لفضاء إلكتروني بحوره غريقة فصاروا فريسة سهلة لصيادين خبثاء يصطادونهم تارة بألعاب إلكترونية مدمرة وتارة بشائعات ومعلومات مضللة.. ولا تستغرب إذا رأيتهم تطرب آذانهم لسماع أغنيات المهرجانات وضجيج الموسيقى التي بدلًا من أن تبني الوجدان والروح تلوثهما بأصوات فجة ومعان رديئة منحطة.


اليوم نحن إزاء إشكالية كبرى، آباء وأمهات لا يتركون هواتفهم من أيديهم وينشغلون بها عن أقرب الناس إليهم، يتواصلون مع البعيد ويغفلون حق القريب ثم يريدون أن ينشأ أبناؤهم صالحين واعين لما يحيط بهم، فكيف يريدون أن يشيدوا بناء تربويًا راسخا في أبنائهم وهم يجهلون أبسط مقومات هذا البناء.


لا خلاف أن أبناءنا خلقوا لزمان غير زماننا كما يقول الفيلسوف أفلاطون: " لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".. لكن ذلك لا يعنى تركهم وما يريدون فليس كل ما يريدونه صالحًا أو نافعًا، بل لابد من التدخل ليس بالمنع والزجر وحدهما بل بالحوار الهاديء المستند للحجة القوية لتعزيز مفاهيم الثقة بالنفس، والحرية.


مهمة أمهات السوشيال ميديا -إن جاز التعبير- أصعب؛ ذلك أن عليهن أن يعرفن أن أفضل الطرق هو التربية بالقدوة الحسنة؛ ومن ثم فعليهن أولًا التخفف من هيمنة الفضاء الإلكتروني حتى يستطعن إقناع الجيل الجديد بترشيد التعامل مع التكنولوجيا، وحتى يجدن الوقت الكافي ليتفرغن للأبناء وهو ما يتطلب منهن جهدًا جبارًا وموازنة دقيقة بين إعطاء الحرية للأبناء للتعامل مع التكنولوجيا وعدم الإغراق فيها.. 

وأن يراقبن حسابات أبنائهم على مواقع التواصل، وأن يكون النقاش سلاحهن فى إقناعهم بالمسموح وغير المسموح للتوفيق بين تعاليم الدين والقيم والأعراف ومستجدات العصر.

 


أمي فعلت أقصى ما يمكنها لرعايتى وتمكيني من النجاح في الحياة، حتى تخرجت في الجامعة وعملت في الصحافة.. كانت نعم القدوة والعطاء والمشورة والاحتواء وتدبير احتياجات بيتنا براتب بسيط كان يتقاضاه والدي.. رحم الله أمي وأبي وأسكنهما فسيح الجنات فقد رحلا  قبل أن أوفيهما ولو جزءًا يسيرًا من حقهما علىَّ.. 

وما أصعب الأماني المستحيلة حين يتمنى من فقد والديه أحدهما أو كليهما أن يعودا إلى الحياة ولو لأيام معدودة ليزيد في إحسانه لهما وليخبرهما بأنهما أغلى نعمة في الوجود!

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية