التاريخ بين كوبريين
عندما تتنازعنى أفكار القلق، قلق الماضي وقلق الحاضر وقلق المستقبل، تسوقني أقدامي للسير طويلا بين شوارع القاهرة، أبدأها من كوبري قصر النيل وأنهيها حسبما يهدأ العقل، وتقر العين وتسري في البدن مساحات من الراحة، جولة أعيشها بخيالات عن تشابهات الواقع والماضي وتكرار الهواجس.
هذه المرة مضيت من على الكوبري حيث لم تمنع درجة الحرارة المنخفضة كثير من الشباب من تلك العادة الجديدة، التقاط صور السيلفي في جماعات وفرادى من أعلى الكوبري، وانتشار مصورين محترفين أو باعة صور للأجيال الصاعدة تأخذ من الكوبري زوايا مبدعة.
غصت بذاكرتي في ماض قد يجهله شباب اليوم، وقفت متسمرا في نقطة المنتصف، وعاد بي الزمن إلي العام 1869 م عندما أمر الخديو إسماعيل بنقل مصر من العبور بين شاطئي النهر من خلال دخول عصر الكباري بديلا عن المراكب الشراعية، فكان كوبري قصر النيل أو كوبري الخديو إسماعيل مكتملا بعد ثلاث سنوات من قرار البدء فيه.
سعدت جماهير القاهرة الخديوية بتلك النقلة النوعية، واحتفل الناس بزيارة الكوبري والمرور من فوقه حتى أفاقوا على صدمة حكومية لا تقل عن صدمات حكومات الحاضر، فرض رسوم على كل من يعبر الكوبري من بشر وحيوانات، مع منح الأطفال حق العبور المجاني!
ظل الكوبري الذي منح مصر حق دخول عصر الكباري أعجوبة عصره وتحفة سنينه لأربع سنوات بالتمام والكمال، حتي تغير الحال وكتب التاريخ فصلا جديدا من فصول المآسي، مآسي الحكام الذين ينفقون ببذخ على مشروعات آلت فيما آلت إلى لجنة الدين المعروفة تاريخيا.
ولجنة الدين هي الملاذ الذي لجأ إليه الخديو إسماعيل عندما ضيق عليه الدائنون الأوروبيون الخناق، مطالبين بديونهم المستحقة طرف مصر، التي أغرقها الخديو إسماعيل بقراراته غير المتزنة في الإنفاق، وكانت اللجنة التي أمر بإنشائها عبارة عن خزانة فرعية لخزانة الدولة المصرية، يحق لها جمع متحصلات من المديريات في بر مصر كلها.
وكانت لجنة الدين تدار عبر أربع شخصيات أحدهما إنجليزي، والثاني فرنسي، والثالث نمساوي، والرابع إيطالي، وضمن المواقع التي أصبح من حق اللجنة جمع متحصلاتها كوبري قصر النيل، الذي كان يحمل ساعتها اسم كوبري الخديو إسماعيل، وذهبت اللجنة بعيدا حتى وقعت مصر تحت سيطرة الأجانب تماما، وفقدت سيادتها المالية، وبالتالي سيادتها الكلية تماما.
في نقطة المنتصف من الكوبري تستطيع أن تري وجها مهما لمصر، بنايات تحمل من تجاعيد الزمن ما يجعلها قطعا من اللحم الحي، ومراكب تسبح من تحتك تسمع من خلالها خليطا متناقضا من صنوف الطرب والنهيق، ولكل راغب ومستمع، يتهادى صوت أم كلثوم من واحدة ويزلزل هدوءك مهرجان صاخب لا يمكنك احتماله، بينما تتراقص عليه فتيات في عمر الزهور فيما يشبه رقصات الجنون.
ومن نقطة المنتصف ترى جزر النيل التي زحف عمران العشوائية إليها من ناحية المعادي، إن نظرت يمينا سترى قصر الأميرة زينب، وعن يسارك جزيرة الزمالك، إن منحت المعادي ظهرك سيطل عليك ماسبيرو بتاريخه التليد ومبنى وزارة الخارجية، زهرة اللوتس المهيبة.
إن أمعنت النظر سيطل عليك من بعيد آخر عماليق الكباري المصرية، كوبري روض الفرج أو تحيا مصر، أعرض كوبري ملجم في العالم، بدأ قرار إنشائه في العام 2016 وافتتح في العام 2020م ليصبح أيقونة كباري مصر.. مائة وخمسة وخمسون عاما بين الكوبريين أحدهما الأول في التاريخ، والثاني هو الأعرض في العالم، ولكلاهما قصة تتشابه في معانيها وحدودها ومآلاتها!
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا