نداء القلوب
قوم طرقي
يا رب، أحيانًا أسير في حياتي وكأني أعرف كل شيء، أتصور أنني أرى الطريق أمامي بوضوح، فاختار واتخذ قرارات ظنًا مني أنها ستجلب لي السعادة والراحة. أختار ما يروق لي، ما يبدو سهلًا وجذابًا، وما أعتقد أنه سيحقق لي ما أتمناه. ولكن في داخلي، هناك همسات تخبرني أن هذا الطريق، الذي يبدو مستقيمًا، قد لا يقودني إلا إلى خيبة الأمل وربما الهلاك.
أتذكر كلماتك يا رب، التي تحذرني بلطف وتقول لي: "تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ" (أمثال 16: 25). أحيانًا تأتيني هذه الكلمات وكأنها شعاع يضيء عتمة تفكيري، تنبهني عندما تشتد عليّ الفتن، فتفتح عيني لأرى الأمور على حقيقتها، وأدرك أن ما بدا لي مُريحًا قد يكون خداعًا، وأن ما تزينه لي الدنيا قد يخفي وراءه ألمًا وخيبة.
كم من مرة وجدت نفسي أركض خلف أمانيٍّ مزيفة، أظن أن في نهايتها السعادة، ثم أكتشف أنني ابتعدت عنك، وأن هذا الطريق الذي كنت أراه مستقيمًا قد قادني إلى التعب والخسارة. وكأنني كنت أُساق وراء سراب، وكلما اقتربت، ازداد بعدًا. أتساءل عندها: لماذا انخدعت بهذا المظهر الخارجي؟ لماذا لم أصغِ لندائك الذي كنت تهمس به في قلبي؟ كنتَ تنبهني، ولكنني تجاهلتك، فضللت الطريق.
أدركت، يا رب، أن الحكمة ليست في أن أرى الأشياء بظاهِرها، بل في أن أرى بعينيّ التي تفتحهما محبتك لي. علّمني أن أبحث عن النور في قراراتي، عن السلام الذي لا يخدع، وألا أغتر بما يظهر لامعًا وسهل المنال. علّمني أن أتيقن أن طريقك قد يبدو أحيانًا غير واضح أو مُظلم، لكنه مليء بالأمان، وأنك وحدك القادر على أن ترشدني للحق، حتى وإن كان الطريق صعبًا أو مليئًا بالعثرات.
فكل مرة أشعر فيها بأنني أضعت طريقي، أسعى للعودة إليك، لأجدك تنتظرني بصبر، تمد يدك لي وتأخذ بيدي برفق. تعلم ضعفي، وتعرف أنني أسير في عالم مليء بالمغريات، فأنت وحدك سندي وملاذي. علّمني، يا رب، أن أتواضع وأترك غرور اختياراتي وأثق بك، لأنك تراني حين أضل، وتعرف قلبي حين يضعف، وتعرف حاجتي إليك حين تتشتت خطواتي.
أجعلني أراك يا رب في كل طريق أسلكه، اجعل نورك مرشدي، وذكّرني أن رضاك هو الراحة الحقيقية، وأنك تدلني إلى طرق الحياة التي لا أراها إلا حين أتمسك بك.