رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة السيدة عائشة (4 – 4)

مشهد الوداع في حياة
مشهد الوداع في حياة السيدة عائشة، فيتو

في هذه السلسلة، نستعرض الليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
قادت السيدة عائشة إحدى أشد حلقات مسلسل "الفتنة الكبرى"، ضد سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، ومهما اجتهد المفكرون والمؤرخون في محاولة كشف الأسباب التي دفعتها إلى معاداة أمير المؤمنين، فلا يزال الغموض يكتنف ذلك المسلسل البغيض، الذي أسهم في تفتيت الدولة الإسلامية، وقضى، في النهاية، على الخلافة الراشدة.

قالت عائشة بعد أن سمعت بأن الناس قد بايعوا عليًّا بالخلافة بعد قتل عثمان: “وددت لو أن السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب”..!!

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه: "إنه سيكون بينك وبين عائشة أمرا"، قال: أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، قال فأنا أشقاهم يا رسول الله؟ قال: لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها". 

وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "أيّتُكُنّ تنبح عليها كلاب الحوأب". 

وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال لنسائه: "ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب (كثير الوبر أو كثير وبر الوجه) تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعدها". 

وذكر الإمام البيهقي في "دلائل النبوة" عن أم سلمة، قالت: ذكر النبي خروج بعض نسائه أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة فقال: "انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت ثم التفت إلى علي فقال: يا علي؛ إذا وليت من أمرها شيئا فارفق بها". 

ماء الحوأب

ولأنه لا ينطق عن الهوى، فقد وقع ما أخبر به النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.. فعن قيس بن أبي حازم قال: لما أقبلت عائشة فنزلت عند  مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال لها بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، فقالت: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لنا ذات يوم: "كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب"، والحوأب موضع في طريق البصرة. 

موقعة الجمل

في عام 36 من الهجرة، وقعت معركة الجمل في البصرة بين قوات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة التي ذهبت مع جيش المدينة في هودج من حديد على ظهر جمل، وسميت المعركة نسبة إلى هذا الجمل.

بدأت القصة بعد مقتل عثمان بن عفان، حيث بايع كبار الصحابة عليًّا لخلافة المسلمين، وانتقل الخليفة إلى الكوفة، وبعدها انتظر بعض الصحابة أن يقتص الإمام من قتلة عثمان، لكنه أجل الأمر، ولما مضت أربعة أشهر على البيعة خرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقيا أم المؤمنين عائشة التي كانت عائدة من أداء فريضة الحج، وصل أصحاب الجمل إلى البصرة، ولم يكن لهم غرض في القتال، بل أرادوا جمع الكلمة والقصاص من قتلة عثمان بن عفان، والاتفاق مع علي بن أبي طالب في كيفية تنفيذ القصاص، بعيدًا عن المدينة، وكان في البصرة نفرٌ من دعاة الفتنة، الذين خرجوا على عثمان فعمل هؤلاء على التحريض ضد أصحاب الجمل. 

ووصل عليٌّ، كرم الله وجهه، إلى البصرة، مكث فيها ثلاثة أيام والرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة، فأرسل القعقاع بن عمرو اليهم، فقال للسيدة عائشة: أي أماه؛ ما أقدمك هذا البلد؟!، فقالت: أي بُنيّ؛ الإصلاح بين الناس.

 فسعى القعقاعُ بين الفريقين بالصلح، واستقر الأمر.

قال ابن كثير في "البداية والنهاية": فرجع القعقاع إلى عليٍّ فأخبره، فأعجبه ذلك، وأشرف القومُ على الصلح، كرِه ذلك من كرهه، ورضيَه من رضيَه، وأرسلت عائشة إلى عليٍّ تعْلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام عليٌّ في الناس خطيبًا، فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، ثم قال: ألا إني مرتحل غدًا فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس. 

وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشرِّ ليلة، يتشاورن وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، (آخر الليل) فنهضوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، وقام الناس من منامهم إلى السلاح.

 وهذه أم المؤمنين عائشة، تقول: إنما أُريد أن يحجر بين الناس مكاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدا. 

روى أبن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن بن علي، رضي الله عنهما، قال: لقد رأيتُه - يعني عليا - حين اشتد القتال يلوذ بي، ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة، اللهم ليس هذا أردتُّ. 

إكرام علي لعائشة

وتذكر عليّ وصية النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، لها بشأنها، فأرسل أخاها محمد بن أبى بكر ليتفقد هودجها بعد أن علم أن سهما قد أصاب يدها، ثم أتاها بنفسه، وسألها: "كيف أنت يا أمه؟"، فأجابته: "بخير يغفر الله لك"، فقال: "ولك". 

قال الإمام ابن العربي: ولما ظهر عليٌّ جاء إلى أم المؤمنين، فقال: غفر الله لكِ، قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح.

ثم أنزلها دار عبد الله بن خلف، وهي أعظم دار في البصرة، وزارها ورحبت به وبايعته وجلس عندها، ثم ردها إلى المدينة معززة مكرمة كما أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم.

وسير معها ولديه الحسن والحسين وسار بنفسه وراءها أميالا مودعا إياها.

ويقال إن السيدة عائشة ندمت أشد الندم على يوم الجمل لدرجة أنها كانت تقول دوما: "ليتنى مت قبل يوم الجمل".

ولم تتهم عليا يوما بدم عثمان، ورغم أنها كانت تتمنى غيره للخلافة إلا أنها كانت تردد دوما أنه أحبّ الناس إلى رسول الله.

وفاتها

و كانت أم المؤمنين عائشة، تمنى نفسها بالدفن إلى جانب زوجها سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ووالدها الصديق أبى بكر، رضى الله عنه، فى الروضة الشريفة، حيث كانت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى تقيم فى الجزء الشمالى منها، إلا أن الذى دفن بجانبهما كان الفاروق عمر بن الخطاب، بإذن منها.

وأوصت السيدة عائشة رضى الله عنها بأن تدفن فى البقيع مع أزواج النبى عليه الصلاة والسلام، وقد أنزلها قبرها بنو أخيها؛ القاسم بن محمد بن أبى بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر، وعبد الله بن عتيق، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير رضوان الله عليهم جميعا.

تُوفّيت السيدة عائشة في المدينة المنوّرة في شهر رمضان المبارك، في اليوم السابع عشر منه، في السنة السابعة والخمسين من الهجرة، وقيل في الثامنة والخمسين أو التاسعة والخمسين للهجرة، رحلت فى آخر عهد معاوية، وكانت وفاتها في ليلة يوم الثلاثاء، وقد حزن المسلمون على فقدها حزنًا شديدًا.


وصلّى عليها أبو هريرة، وكانت قد أوصت في مرض احتضارها أن تُدفن ليلًا، ودُفنت، رضي الله عنها، في البقيع، قرب صاحباتها زوجات الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم.

الإفتاء: حكم ايذاء السيدة عائشة

قالت دار الإفتاء المصرية، في حكم إيذاء السيدة عائشة، رضي الله عنها، بالسب أوغيره: "أجمع العلماء قاطبة على أن من رمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فهو معاند مكذِّب للقرآن، قال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ".. (فصلت: 40 – 42)".

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية