الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة إمام المتقين علي بن أبي طالب (4 – 4)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
قال الإمام أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: “ما رُوِي في فضائِلِ أَحَدٍ من أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالأسانيدِ الصِّحاحِ ما رُوِيَ عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ”.. ومن فضائِلِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ أنَّه كانَ من أشهَرِ كُتَّابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهوَ الَّذي كَتَبَ صُلْحَ الحُدَيبيَةِ.
باب مدينة العلم
كان علي رجلًا شجاعًا شهدت له الميادين بالبطولة، والتضحية والفداء، كما كان صاحب علم غزير، وفقه عميق بالقرآن والسنة بما حباه الله من اللسان السؤول، والقلب العقول، وكان رجلا حكيما، وقاضيا عادلا، بفضل دعوة النبي له، أما في مجال الخطابة، فقد كان خطيبا مفوها تقطر عباراته، وكلماته بلاغة وسحرا، وقد تحلى بكثير من الصفات الحسنة كالورع، والتقوى، والحياء، والتواضع، والفقه وغيرها الكثير.
وروي أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "أنا مدينة علم وعليٌّ بابها".
شجاعته وسياسته في المعارك
عن شجاعته وسياسته في المعارك، يقول "عباس محمود العقاد": كانت له وصاياه المحفوظة في تسيير الجيوش، وتأديب الجند ومعاملتهم لسكان البلاد، ومنها قوله: "إذا نزلتم بعدو أو نزل بكم، فليكن معسكركم من قبل الإشراف وسفاح الجبال، أو أثناء الأنهار، كيما يكون لكم ردءًا ودونكم ردًّا، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين، واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب الهضاب؛ لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن، واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعًا، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعًا، وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفة، (أي: محيطة بكم)، ولا تذوقوا النوم إلا غرارًا أو مضمضة".
استشهاده
استشهد الإمام علي بن أبي طالب، رضى الله عنه، ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من رمضان من السنة الأربعين للهجرة، وكان عمره ثلاثة وستين سنة وقيل بضع وخمسون.
اقرأ أيضا: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة أبي ذر الغفاري
اغتيل الإمام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، وذلك بعدما ضربه عبد الرحمن بن ملجم غيلة، في شهر يناير من سنة 661، في شهر رمضان من سنة 40 هجرية.
قصة المؤامرة
كان عبد الرحمن بن ملجم والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمى، من غلاة الخوارج، فاجتمعوا، وتذكروا القتلى من رفاقهم وتذكروا القتلى من المسلمين عامة وألقوا وزر هذه الدماء كلها على ثلاثة، أو أئمة الضلالة فى رأيهم، وهم: (على بن أبى طالب، ومعاوية بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص).
فقال ابن ملجم: (أنا أكفيكم على بت أبى طالب).
وقال البرك: (أنا أكفيكم معاوية بن أبى سفيان).
وقال عمرو بن بكر: (أنا أكفيكم عمرو بن العاص)"، كما يذكر الأديب الكبير عباس محمود العقاد فى كتابه "عبقرية الإمام".
روى المؤرخون أن عبد الرحمن بن ملجم الخارجي الحميري أقام في الكوفة يترقب الموعد لقتل الإمام، ثم إنه أقبل آخر الليل ومعه رفيق له يُعينه في عمله المجرم، وأنهما انتظرا الإمام حتى خرج من بيته لصلاة الفجر، فلما رأياه قادمًا استقبلاه بسيفيهما، فأصابه ابن ملجم، لعنه الله، في جبهته حتى بلغ دماغه، ووقع سيف صاحبه في الحائط، وخرَّ الإمام الأمين المأمون صريعًا وهو يقول: لا يفوتنَّكم الرجل، وأحاط القوم بالفاسقَين، فقتلوا الثاني، واستبقوا ابن ملجم، وحُمِلَ الإمام إلى داره فأقام ليلتين ويومًا ثم مات كرَّم الله وجهه.
وكان حافز "ابن ملجم"، كما رأى "العقاد"، لقتل الإمام، هو العشق والحب، حيث كان يحب فتاة من تيم الرباب قُتل أبوها وأخوها فى معركة الخوارج، وكانت توصف بالجمال الفائق والشكيمة القوية، فلما خطبها ابن ملجم لم ترضَ به زوجا إلا أن يشفي لوعتها، فسألها: "وما يشفيك"؟، قالت: "ثلاثة آلاف درهم وعبد وقينة، وقتل علي بن أبى طالب".
يقول "العقاد": إن الإمام علي ضربه ابن ملجم فى جبينه بسيف مسموم، وهو خارج للصلاة فمات بعد أيام، وهو يحذر أولياء دمه من التمثيل بقاتليه، ويقول لهم: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن إلا قاتلى".
رفض التمثيل بقاتله
وتابع: "انظر يا حسن، إن مت من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل فإنى سمعت رسول الله يقول: إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور".
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا، رضي الله عنه، قال في ابن ملجم بعدما ضربه: أطعموه, واسقوه, أحسنوا إساره, فإن عشت فأنا ولي دمي, أعفو إن شئت وإن شئت استقدت, وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا.
وسأله جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن؟
فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر.
وصايا الإمام
وقد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة، والزكاة، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه فى الدين، والتثبت فى الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واجتناب الفواحش.
ووصاهما بأخيهما محمد بن الحنفية، ووصاه بما وصاهما به، وأن يعظمهما ولا يقطع أمرا دونهما وكتب ذلك كله فى كتاب وصيته رضى الله عنه وأرضاه.
وأوصى ابنه الحسن، رضي الله عنهما:
ارفق يا ولدي بأسيرك (القاتل)، وارحمه، وأحسن إليه، وأشفق عليه، بحقي عليك أطعمه يا بني مما تأكله، واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدما، ولا تغل له يدا، فإن أنا مت، فاقتص منه بأن تقتله، وتضربه ضربة واحدة، ولا تحرقه بالنار، ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت جدك رسول الله يقول: إياكم والمثلة، ولو بالكلب العقور. وإن أنا عشت، فأنا أولى به بالعفو عنه، وأنا أعلم بما أفعل به. أوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا، وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما. وقولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا.
ومكث الإمام عليٌّ يوم الجمعة والسبت، ولما احتضر على جعل يكثر من قول لا إله إلا الله، لا يتلفظ بغيرها.
وتوفي ليلة الأحد 21 رمضان.
وغسَّله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكُفِّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص.
مكان دفنه
وقد اختلف العلماء في مكان دفن علي رضي الله عنه، فقد كان ابن تيمية وابن سعد وابن خلكان، يقولون: إنه دفن في الكوفة وتحديدا بقصر الإمارة.
وقال عبد الله العجلي إنه دفن بالكوفة بمكان غير معلوم.
أما الحافظ أبو نعيم فقال إنه دفن بالكوفة، ثم نقل إلى المدينة المنورة بواسطة الحسن بن علي، رضي الله عنه.
وقال إبراهيم الحربي: إن مكان قبر علي رضى الله عنه غير معلوم.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.