الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة السيدة خديجة

في هذه السلسلة، نتناول استعراضا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
 

اليوم، نتحدثُ عن الليلة الأخيرة، التي شهدت وداع المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم، لزوجته الحبيبة، سيدة نساء العالمين، السيدة خديجة، التي وصفها بأنها "آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدا إذ حرمني أولاد النساء".

العاشر من رمضان

كان يوم العاشر من شهر رمضان، هو اليوم الأخير في حياة أم المؤمنين السيدة خديجة رضى الله عنها، على أشهر الأقوال.
وعلى قدر الحب والمودة التي رفرفت على أركان البيت الذي ضم أشرف خلق الله، صلى الله عليه وسلم، وزوجته، كان الحزن الذي خيم على البيت، بل وعلى مكة كلها، ليلة ماتت السيدة الفاضلة، والزوجة المحبة.
والسيدة خديجة هي أم المؤمنين، بنت خُوَيلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصي بن كلاب، القرشية الأسدية، تجتمع مع الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، في جده قُصَي.
وُلدت قبل عام الفيل بخمسة عشر عامًا تقريبًا، نشأت السيدة خديجة في بيت كريم مترف؛ فكان والدها زعيم بني أسد بن عبد العزى، شقيق عبد مناف وخليفته، وإليه ينتهي الفضل والكرم والسيادة بين قومه، يطيعونه ويهابونه.

تزوجت قبل سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، من أبي هالة بن زرارة التميمي، وكان أكثرهم مالًا وأوسعهم ثراءً، فعاشت معه تقدره ويقدرها، وولدت له بنتا هي: هالة، وولدا هو: هند. 
وعجَّل القَدَرُ بوفاة أبو هالة قبل أن يشبَّ طفلاه عن الطوق، وخلف لأسرته ثروة طائلة وتجارة رائجة رابحة.

وجاء في رواية أنها تزوَّجت بعده من عائذ ابن عبد الله المخزومي، فلبثت معه فترة من الزمن ثم مات أيضًا.

وبعد موت هذين الزوجين، وكانا من أشراف مكة، تقدَّم لخطبتها كثير من الرجال، ولكنها آثرت الانصراف إلى تربية ولديها، وإدارة شؤون تجارتها ومالها، حيث كانت ذات مال وفير، فكانت تستأجر الرجال ليتاجروا لها، وتجعل لهم مالًا نظير عملهم.

خديجة تطلب الصادق الأمين

اشتهر عن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في مكة أنه الصادق الأمين، فأرسلت السيدة خديجة إليه ليعمل عندها في التجارة، فوافق، صلى الله عليه وآله وسلم، وخرج إلى الشام ومعه ميسرة غلام السيدة خديجة، فأُعجب ميسرة بأخلاق الحبيب وحُسن معاملته، وصدق حديثه، وتكامل شخصيته، وعظم أمانته.
فلما عاد ميسرة إلى مكة حكى للسيدة خديجة ما رآه من أخلاق النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فأعجبت به، صلى الله عليه وآله وسلم، ورغبت في الزواج منه، فتزوَّجها سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم.
وكانت أسنَّ منه بخمس عشرة سنة، فكان سِنُّها أربعين سنة وهو في الخامسة والعشرين، وكانت هي أولى زوجاته، صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ذلك قبل البعثة النبوية المطهرة، وبعد البعثة النبوية كانت هي أوَّلَ مَنْ آمن به، وأول من توضأ وصلَّى بعد سيدنا المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم. ثم هي المواسية لسيدنا محمد بنفسها ومالها، وهي التي صبرت معه على حصار قريش لبني عبد مناف، في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات كاملة.

أبناء سيدنا محمد من خديجة

وكل أولاده، صلى الله عليه وآله وسلم، منها، باستثناء إبراهيم فهو من مارية القبطية.
فولدت السيدة خديجة: القاسم، وكان يكنَّى به، صلى الله عليه وآله وسلم- وعبد الله، وهو الطاهر، والطيب، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عنهم.
استمر زواجها من سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أربعًا وعشرين سنة وستة أشهر، ولم يتزوج غيرَها في حياتها.

غيرة عائشة

روى الإمام أحمد بإسناده إلى السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فَغِرْتُ يومًا، فقلتُ: ما أكثر ما تذكرها حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، لقد أبدلك اللهُ عز وجل بها خيرًا منها. قال: "مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِـهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ". "مسند الإمام أحمد".
ومعنى قولها: (حمراء الشِّدق) سقطت أسنانها لكبر سنها حتى ظهرت الحمرة في شدقها.
وتُوفيت رضي الله عنها في حياته صلى الله عليه وآله وسلم في مكة في العاشر من رمضان من العام الثالث قبل الهجرة النبوية، الموافق لعام 620 ميلاديا.. ودفنت في المعلاة.
فسمى هذا العام "عام الحزن"، حيث تأثر النبي، صلى الله عليه وسلم، لوفاتها، ووفاة عمه أبي طالب في نفس العام.
وردد بعض المؤرخين روايات حول أنها، رضي الله عنها، توفيت متأثرة بضعفها بسبب أكلها ورق الشجر أثناء حصار المسلمين في شعب أبي طالب، والذي استمر ثلاث سنوات.
ولكن هذه الروايات ضعيفة لأن وفاة السيدة خديجة جاء بعد عام من فك الحصار.
كانت لخديجة منزلة خاصة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم فهي حانية، عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة. وحتى بعد وفاتها وزواج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من غيرها من النساء لم تستطع أي واحدة منهن أن تزحزح خديجة عن مكانتها في قلب الحبيب، صلى الله عليه وسلم.

الوفاء لذكرى الحبيبة

فبعد أعوام من وفاتها وبعد انتصار المسلمين في معركة بدر، وأثناء تلقي فدية الأسرى من قريش، لمح رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قلادة لخديجة بعثت بها ابنتها "زينب" في فداء لزوجها الأسير أبي العاص بن الربيع، حتى رق قلبه من شجو وشجن وذكرى لزوجته الأولى خديجة، فطلب النبي، صلى الله عليه وسلم، من الصحابة أن يردوا على زينب قلادتها ويفكوا أسيرها إن شاؤوا.
واستمر حب الرسول لخديجة حتى أحست أم المؤمنين عائشة بالغيرة، لأنه لايزال يذكرها بعد وفاتها بسنوات.
كانت عائشة، رضى الله عنها، تجلس معه فى حجرتها ودخلت امرأة عجوز عليهما. 
وقف الرسول ليسلم على الضيفة، ثم فرش لها فرشًا تجلس عليه، وأطعمها وأكرمها، وأعطاها هدية وهى مغادرة.

تقول عائشة إنها "غارت" من هذه المرأة، وسألته مندهشة عن اهتمامه بـ"هذه العجوز يا رسول الله"، فأجابها: "كانت تأتينا أيام خديجة، وإن كرم العهد من الدين".

وعن ابْنِ عَبَّاس قَال: خَطَّ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي الأرضِ أَربعَةَ خُطُوط. قَال: "تَدرُونَ مَا هَذَا؟". فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعلَم. فَقَال رسُولُ الله، صلى الله عليه وسلم: "أَفْضلُ نِسَاء أَهل الْجَنَّة: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنتُ مُحَمَّد، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امرَأَة فِرعَونَ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمران"، أخرجه أحمد.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.