الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة "أمين الأمة" أبي عبيدة (2 – 3)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
نتناول خلال هذه السطور بعض جوانب العظمة العسكرية للقائد الفذ أبي عبيدة بن الجراح، رضي الله، عنه، وانتصاراته القوية على الروم، والتي سجلتها كتب التاريخ بأحرف من نور.
بعد أن اتخذ أبو بكر القرار بفتح الشام وإرسال الجيوش لمحاربة الروم، أرسل إلى أربعة من الصحابة هم: أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان.
سار أبو عبيدة من المدينة حتى مرَّ بوادي القرى، ثم طلع إلى الحِجر (وهي مدائن صالح) ثم إلى ذات المنار، ثم إلى زيزا، ومنها سار إلى مآب، فتصدت له قوة من الروم التحم بهم المسلمون، حتى أدخلوهم مدينتهم وحاصروهم فيها، فطلب أهل مآب الصلح، فكانت أول مدن الشام يُصالح أهلُها المسلمين، ثم سار أبو عبيدة إلى الجابية، ودنا منها.
وبلغت أخبار هذه التحركات هرقل ملك الروم وهو بفلسطين، ثم خرج هرقل من فلسطين، واتجه إلى أنطاكية بأقصى بلاد الشام واتخذها مقرًا، وبعث إلى الروم يطلب حشودهم، فجاءته منهم أعداد غفيرة، وبلغت أخبار حشود الروم أبا عبيدة.
جيش خالد من العراق إلى الشام
قرر الخليفة أبو بكر الصديق أن يضم جيش خالد بن الوليد في العراق إلى جيوش الشام، فكتب إلى خالد: «أما بعد، فإذا جاءك كتابي فدع العراق، وامض حتى تأتي الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومَن معه من المسلمين».
وكتب خالد بن الوليد إلى أبي عبيدة بن الجراح: «لقد أتاني كتاب خليفة رسول الله يأمرني بالمسير إلى الشام، وبالمقام على جندها والتولّي لأمرها… ووالله ما طلبت ذلك ولا أردته ولا كتبت إليه فيه، وأنت رحمك الله، على حالك التي كنت بها، لا يُعصى أمرُك ولا يُخالف رأيُك، ولا يُقطعُ أمرٌ دونَك، فأنت سيدٌ من سادات المسلمين، لا يُنكر فضلُك ولا يُستغنى عن رأيك».
تولية أبي عبيدة جيوش الشام
بعد وفاة أبي بكر في 21 جمادى الآخرة سنة 13هـ، أمَرَ عمر بن الخطاب بتولية أبي عبيدة أميرًا على الجيوش وعلى الشام، فكتب إلى أبي عبيدة: «قد ولّيتك جماعة المسلمين، فبثَّ سراياك… وانظر في ذلك برأيك ومَن حضرك من المسلمين… ومَن احتجتَ إليه في حصارك فاحتبسه، وليكن فيمن يُحتبس خالدٌ بنُ الوليد فإنه لا غنى بك عنه».
وقد وصل كتاب عمر بن الخطاب إلى المسلمين في الشام في أثناء اجتماعهم في معركة، وكانوا إذا اجتمعوا ولَّوا عليهم أميرًا عامًا، فقال خالد بن الوليد: «بُعث عليكم أمين هذه الأمة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح»، وقال أبو عبيدة: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خالد سيف من سيوف الله».
فتح دمشق
توجه أبو عبيدة بن الجراح بجيوش المسلمين من الأردن إلى دمشق فحاصرها من جميع جهاتها أربعة أشهر، استولى المسلمون أثناءَها على غوطة دمشق، ونزل خالد بن الوليد أمام الباب الشرقي، ونزل أبو عبيدة على باب الجابية غربي المدينة، ونزل يزيد بن أبي سفيان على الباب الصغير إلى باب كيسان (باب يونس قبل الفتح)، ونزل عمرو بن العاص على باب توما في الشمال، ونزل شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس، وتم الفتح في شهر رجب سنة 14هـ.
اقرأ كذلك: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة أبي ذر الغفاري
ولما كان فتح دمشق في بواكير فصل الشتاء، فقد أمضى المسلمون بقية الفصل البارد في دمشق، وبعد انقضاء فصل الشتاء توجه أبو عبيدة وخالد بن الوليد ومن معهما من جيش المسلمين إلى حمص لفتحها، وسلكوا إليها طريق سهل البقاع مروًا بمدينة بعلبك، ثم جوسيه إلى حمص، ففتحوا بعلبك، وكتب أبو عبيدة لأهلها كتاب أمان، ووصلوا إلى حمص فتمّ فتحها من دون مقاومة صلحًا.
معركة اليرموك
عندما خرج أبو عبيدة من دمشق إلى حمص، استخلف على دمشق يزيد بن أبي سفيان، وعلى فلسطين عمرو بن العاص، وعلى الأردن شرحبيل بن حسنة، وعندما كان أبو عبيدة في حمص قدمت إليه العيون والجواسيس فأخبروه أن الروم قد جمعوا جموعًا لا حصر لها، وأنهم متجهون إلى جنوب الشام، فجمع أبو عبيدة رؤوس المسلمين لمشاورتهم، واتّخذ القرار بالانسحاب من حمص والعودة إلى المناطق المفتوحة من بلاد الشام.
قام أبو عبيدة بتوحيد جيوش المسلمين تحت قيادة خالد بن الوليد، فوضع خالد خطة القتال، ونظَّم جندَ المسلمين بإزاء الروم، وقيل إنه قسّم الجيش ميمنة وميسرة وقلبًا، واتّبع أسلوبًا جديدًا في تعبئة الجيش هو طريقة الكتائب، وقسّم الجيش إلى كتائب مشاة وكتائب خيالة، فحوّل الجيش إلى ست وثلاثين كتيبة، وجعل أبا عبيدة وشرحبيل بن حسنة قائدين لكتائب القلب، وعمرو بن العاص على كتائب الميمنة، ويزيد بن أبي سفيان على كتائب الميسرة، وبقي خالد في الوسط، وحشد الرماة على الجانبين، واضعًا النساء خلف الجيش، ودامت المعارك ستة أيام، وكانت خطة المسلمين فصل مشاة الروم عن خيَّالتهم لإبقاء المشاة تحت سيطرة المهاجمين المسلمين، وتقهقر الروم شمالًا باتجاه المخاضة في وادي الرقاد (رافد نهر اليرموك) على المنحدر الشرقي منه، فتناولهم رماة المسلمين قتلًا وأسرًا.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.