رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سعد بن معاذ

مشهد الوداع في حياة
مشهد الوداع في حياة سعد بن معاذ، فيتو

في هذه السلسلة، نتناول استعراضا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.

كان مشهد الوداع في مسيرة حياة سعد بن معاذ، رضي الله عنه، شديد الإيلام، فحزن لفراقه رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، حزنا بالغا، فقد كان رمزا للشجاعة، والإقدام، ورجاحة العقل، وثبات العقيدة، ونفاذ الرأي.. قدم، على صغر سنه، خدمات جليلة للدعوة الإسلامية، ودعم الرسول، صلى الله عليه وسلم، والمسلمين في أحلك الأزمات.

هو سيد الأوس، سعد بن معاذ الأنصاري الأوسي، رضي الله عنه.

الساعات الأخيرة لسعد في الحياة شهدت عجائب وكرامات لم تكد تتكرر مع غيره من كبار الصحابة، والصالحين.. فقد كادت إصابته تبرأ، إلا أنه تمنى الشهادة فنالها.

جرح صغير صار كبيرا

نظر سعد إلى جرحه، وجال بخاطره في الماضي الجميل، بعد أن أعز الله الأنصار بشرف استضافة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، والمهاجرين.. وحمد الله أن وفقه للانضواء تحت راية الحبيب، عليه الصلاة والسلام، وتمنى أن يكون من رفقائه في الفردوس الأعلى.

ندت من شفتيه ابتسامة، وتمتم داعيًا: "اللهم إن هذا جرح صغير، وإن يشأ الله يبارك في الصغير فيصير كبيرا.. اللهم إن كانت هذه آخر الأيام بين نبيك، صلى الله عليه وسلم، وبين المشركين، فاقبضني إليك".

وما هي إلا هنيهات حتى انفجر الجرح الذي أصيب به سعد، يوم الخندق، بسبب سهم رَماهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقالُ لَهُ حِبَّانُ بن الْعَرِقَةِ، وكان قد رَماهُ في عرق في وسط ذراعه فقطع العرق.

وكان سعد، رضيَ الله عنه، مسجّى بثيابٍ بيضاء، لا تغطّي جسده كلّه، فجعل الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، يربت على رأسه، ويدعو قائلًا: "اللَّهُمَّ إنَّ سَعدًا قد جاهَدَ في سَبيلِكَ، وصَدَّقَ رسولَكَ، وقَضى الذي عليه، فتَقبَّلْ رُوحَه بخَيرِ ما تَقبَّلتَ به رُوحًا".

فاستغرب أهل بيت سعد من تصرّف النبي ذاك، فأخبرهم أنّه يستأذن من الله، تعالى، أن تشهد الملائكة وفاة سعد.

كان النبي، صلى الله عليه وسلم، قد أمر، عقب إصابة سعد، بأن تُنصَب لسعد خَيمَةً في المَسْجِدِ لِيَعودَه من قَرِيب، فلما انقضى أمر قريظة انفجر جُرح سعد بالدماء، فمات، رضي الله عنه، متأثرًا بجرحه، الذي كان في طريقه لأن يندمل.

وعن يوم دفنه يروي أنس بن مالك، رضي الله عنه، ما حدث لسعد من كرامات دالة على صلاحه وقبوله عند الله وشهادة الرسول، صلى الله عليه وسلم، له بذلك.

قبر سعد بن معاذ في البقيع، فيتو
قبر سعد بن معاذ في البقيع، فيتو

قال أنس، رضي الله عنه: "لَمَّا حُمِلَتْ جنازةُ سَعدِ بنِ مُعاذٍ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ؟! وَذَلِكَ لِحُكمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلمَ فَقَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ". (رواه الترمذي).

وكانت أم سعد تبكيه حِينَ اُحْتُمِلَ نَعْشُهُ، فقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ، إلَّا نَائِحَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".

وأخبر أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه، عند دفن سعد أنه: "فطلع علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد فرغنا من حفرته، ووضعنا اللبن والماء عند القبر... فوضعه عند قبره، ثم صلَّى عليه، فلقد رأيتُ من الناس ما ملأ البقيع".

ضمة القبر

ولما دُفن سعد سبَّح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسبَّح الناس معه طويلا، ثم كبَّر فكبَّر الناس، ثُمَّ سألوا النبي، صلى الله عليه وسلم، عن سبب ذلك، فقَال، صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَبْرُهُ حَتَّى فَرَّجَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ". (رواه أحمد). 
وهي ليست ضمة عذاب، إنما هي ضغطة القبر وضمته التي أخبر عنها النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: "إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ". (رواه أحمد).

اقرأ أيضا: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سيف الله المسلول ( 1 – 3 )

أما بعد دفنه، رضي الله عنه، فقد وقف النبي، صلى الله عليه وسلم، يُحدِّث أصحابه عن هذا الشهيد، هذا العبد الصالح الذي فُتحَت له أبواب السماوات، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة، لم ينزلوا الأرض قبل ذلك
حتى عرش الرحمن قد اهتز لموته من فوق سبع سماوات كرامة له، قال صلى الله عليه وسلم: "اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". (رواه البخاري).

حكمه على بني قريظة

كان سعد بن معاذ يدعو الله أن لا يقبض روحه قبل أن يُثلج صدره ويُقرّ عينه ببني قريظة؛ وذلك لِما فعلوا بالمسلمين وغدروا بهم، يوم أن التفّوا مع الكفار يوم الأحزاب، ولِما كانوا يحيكون من مؤامراتٍ وتدابير تضرّ بالمسلمين، ولمّا غزاهم رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، اختاروا أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، وقد كان من حلفائهم في الجاهليّة؛ ظنًّا منهم أنّه سيرأف بهم.

وقد أرسل رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، إلى سعد؛ ليحكم فيهم، وقد كان مريضًا من أثر جرحه، فجيء به على دابة، فحكم عليهم بالقتل والسّبي.

وبذلك استجاب الله دعاء سعد بن معاذ، وأثلج صدره بهم، فعادوا به إلى خيمته حيث المسجد النبوي، وهو يسأل الله، سبحانه، الشهادة، وقد أعطاه الله سؤله حين استشهد إثر انفجار جرحه.

اهتز لموته عرش الرحمن

دُفن سعد بن معاذ، رضيَ الله عنه، في مقبرة البقيع، وكان عمره لمّا استشهد سبعًا وثلاثين سنة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلّم: "اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ".

حزن رسول الله، عليه الصّلاة والسّلام، على موته حزنًا شديدًا، وبكا حتى انحدرت دموعه على لحيته، وبكا أهله وأصحابه، كما شيّعته الملائكة، ولذا كان نعشه خفيفًا، حتى قال المنافقون: ما أخفّ جنازته؛ وذلك لحكمه في بني قريظة، فأخبرهم النبيّ أنّ الملائكة كانت تحمله، وأنّ سبعين ألفًا من الملائكة حضروا جنازته ودفنه.


ثبت في الحديث الصحيح المتواتر عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه، وقد جاء في بعض الأثر أنّ سبب اهتزاز عرش الرحمن إنّما كان فرحًا من رب العزة بلقاء سعد، وأما الكيفية فلا يسأل عنها.


ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية