الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سيف الله المسلول ( 3 – 3 )
في هذه السلسلة، نتناول استعراضا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
خالد بن الوليد "سيف الله المسلول" عانى منه المسلمون كثيرا قبل إسلامه، فكان وراء نكبة "أُحُد"، وكاد يقتحم المدينة في غزوة "الخندق"، ثم أسلم وحَسُن إسلامه، وكانت له انتصارات خارقة على المشركين وأعداء الإسلام.. وتقبل قرار عمر بن الخطاب بعزله، وهو في أوج عظمته ومجده.. ثم اعتزل الحياة العامة، لمدة 4 سنوات، حتى توفي على سريره، فكان ذلك أشد على نفسه من أي مصيبة، فقد كان يتمنى الشهادة.
نستعرض في هذه الحلقة مشاهد من خاتمته الحسنة، التي أنعم الله عليه بها، فقد تقبل القرار الشديد بعزله عن قيادة الجيش، ثم لقي ربه، بعد عزلة طويلة عن المشاركة في الجهاد أو السياسة.
وقد قيل إن حكمة الله قضت أن لا يستشهد خالد بن الوليد في أية معركة؛ لأنّه فهو سيف الله المسلول، كما أخبر بذلك رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يمكن قتله من قبل أعداء الله.
عزله عن القيادة
وتجلت حكمة خالد وقيادته الواعية حينما جاءه رسول برسالة من عمر بن الخطاب تحمل نبأ وفاة أبي بكر، وتخبره بعزله عن إمارة الجيش وتولية أبي عبيدة بدلا منه، وكانت المعركة لا تزال على أشدها بين المسلمين والروم، فكتم خالد النبأ حتى تم النصر للمسلمين، فسلم الرسالة لأبي عبيدة ونزل له عن قيادة الجيش.
ولم ينته دور خالد في الفتوحات الإسلامية بعزل عمر له وتولية أبي عبيدة أميرا للجيش، وإنما ظل خالد يقاتل في صفوف المسلمين، فارسا من فرسان الحرب وبطلا من أبطال المعارك الأفذاذ المعدودين.
وكان له دور بارز في فتح دمشق وحمص وقنسرين، ولم يفت في عضده أن يكون واحدا من جنود المسلمين، ولم يوهن في عزمه أن يصير جنديا بعد أن كان قائدا وأميرا؛ فقد كانت غايته الكبرى الجهاد في سبيل الله، ينشده من أي موقع وفي أي مكان.
قضى خالد بقية أيامه بعد عزله فى مدينة حمص، لمدة 4 سنوات، لم يفارقها قليلًا إلا ليعود إليها.
وفاة خالد بن الوليد
وحينما حضرته الوفاة، انسابت الدموع من عينيه حارة حزينة ضارعة، ولم تكن دموعه رهبة من الموت، فلطالما واجه الموت بحد سيفه في المعارك، يحمل روحه على سن رمحه، وإنما كان حزنه وبكاؤه لشوقه إلى الشهادة، فقد عزّ عليه -وهو الذي طالما ارتاد ساحات الوغى فارتجفت منه قلوب أعدائه وتزلزلت الأرض من تحت أقدامهم، أن يموت على فراشه، وقد جاءت كلماته الأخيرة تعبر عن ذلك الحزن والأسى في تأثر شديد: "لقد حضرتُ كذا وكذا زحفا وما في جسدي موضعُ شبرٍ إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء".
طالع للمزيد: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة السيدة فاطمة الزهراء
وحين سمع عمر بوفاته إذا به يقول: "دع نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان، فإنهن لا يكذبن، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي".
مات بوباء الطاعون، ولكن لم تُروَ لنا كلمة عن موته، ولكن وباء الطاعون لاحق أبناءه فيما بعد، وما هى إلا فترة حتى انقرضت ذرية القائد، خالد بن الوليد، ورغم أنه كان قائدًا كبيرًا، عندما مات لم يجدوا فى بيته غير فرسه وسلاحه.
توفّي في سوريا في مدينة حمص، في خلافة عمر بن الخطاب، (18 من رمضان 21هـ، 20 من أغسطس 642م). وقُبضت روحه وهو على فراشه بعد صراعه مع مرض أصابه، وكان ذلك في العام الواحد والعشرين للهجرة، وقد بلغ من العمر ستين عامًا، أو الخامسة والخمسين.
وهو القول الأشهر بين العلماء والمؤرّخين، وذكره ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية"، ومشهده موجود على باب حمص.
وقال وهو على فراش الموت: "لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء".
"ما كان في الأرض من ليلة أحب إليّ من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بهم العدو، فعليكم بالجهاد".
"لقد طلبتُ القتل في مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتُّها وأنا متترس بترسي والسماء تهلبني، ننتظر الصبح، حتى نغير على الكفار "، ثم قال: "إذا أنا مت، فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوها عدة في سبيل الله عز وجل".
انتهاء ذريته
وتعقب الموت أبناءه الذين بقوا بعد الطاعون، وأشهرهم المهاجر من حزب علي وعبد الرحمن من حزب معاوية، فمات المهاجر في صفين ومات عبد الرحمن مسمومًا على ما قيل؛ لأنه رُشِّح للخلافة قبل أن يُرَشَّحَ يزيد بن معاوية لولاية العهد فقيل: سقاه معاوية السم على يد الطبيب بن أثال.
وما هي إلا فترة حتى انقرضت ذرية هذا القائد الكبير، فورث دورهم (بيوتهم) بالمدينة أحد أبناء أخيه.
ولما سُئل عمرُ أن يعهد بعد موته، قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي: لم استخلفته على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين وإنَّ أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، ولو أدركتُ خالدًا ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول لخالد: سيف من سيوف الله سلَّه الله على المشركين.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.